اشعال فتيل المؤامرة - بقلم الكاتب / طارق فايز العجاوى

اشعال فتيل المؤامرة
بقلم الكاتب / طارق فايز العجاوى
...................................... نعم ليوبيد الثانى هو من اشعل فتيل المؤامرة على القارة السوداء ذلك الجزء العزيز من جسد الامة وهو الذى تولى سدة الحكم ملكا على بلجيكا عام 1865 وقد حيكت خيوط مؤامرته عندما تلقى دعوة رسمية من الخديوى اسماعيل عام 1869 م بمناسبة افتتاح قناة السويس ولعل المظاهر التى رأها وعاشها فى تلك الايام والمتمثلة فى الاسراف والبذخ الزائد عن الحد المألوف هذا عداك عن المؤامرات التى كانت انذاك على القارة التى وصلت الى علمه كل هذه المقدمات قد اثارت انتباهه والهبت خياله الجامح وحركت كوامن نفسه وطموحه غير المحدود لكى يتمكن من حيازة جزء من الثروات الهائلة والسائبة حقيقة فى هذه القارة وفى تلك الظروف كانت فلسفة توازن القوى تسيطر على الدبلوماسية الاوروبية ليست فقط على مستوى الدول بل حتى على مستوى الاحلاف والثابت ان هذه الفلسفة وهذا الاعتقاد قد نجح منذ مؤتمر فينا الذى عقد عام 1815م وهو المؤتمر الذى حقق نوعا من السلام النسبى لم تنعم به اوروبا فى المائة عام السابقة لعقده
والملفت ان الملك ليوبيد الثانى قد فطن الى المثالب والثغرات فى هذه الفلسفة والتى اعتقد ان اعمقها وابعدها اثرا هى افتقاد الثقة بين الحلفاء والاستعداد للوقوع فى حبائل الدسائس والاشاعات فيما يختص بالاعداء واستغلها لابعد مدى واقصى درجة وذلك خدمة لاهدافه ومأربه وبنجاح مذهل كل هذه المقدمات دعته لانشاء الاتحاد الافريقى عام 1876م هذا الاتحاد الذى يحمل فى خفاياه اخبث المخططات ولكنه فى الظاهر ذو هدف نبيل وذو بعد انسانى - وهو السم بالدسم بعينه ----- اذكر ونحن بهذا الصدد قضية انشاء جامعة الدول العربية وما قيل بشأنها عندما كنت على مقعد الدرس فى الجامعة فى السنة الاولى فى مادة القانون الدولى العام للدكتور محمد عزيز شكرى فقط لتذكير بقضايا الانشاء هذه التى تحول حولها الشبهات - وعليه فالاهداف الحقيقية لهذا الاتحاد كانت انتزاع بقعة غنية مثل مصر يسيطر هو على مقدراتها شخصيا بعد ان رفض البرلمان البلجيكى ولاسباب واقعية مساندة مطامع ومغامرات الملك التوسعية من خلال الدبلوماسية
ولقد وجه الملك ليوبيد الدعوة الى كبار المكتشفين والجغرافيين والمبشرين والرأسماليين -- البرجماتيين -- الذين يؤيدون افكاره ويؤمنون مثله بتحقيق اعلى نسبة من الارباح مع عمل القليل من الخير للتمويه وتغطية اهدافه الحقيقية وكان هدف الاجتماع الاول تكوين اللجنة التنفيذية للاتحاد وانشاء اللجان الفرعية فى مختلف البلدان الاوروبية لكى يضفى عليه الصبغة الدولية مع سيطرته عليه - اى الاتحاد - وأبدت الحكومتان البريطانية والفرنسية تشككهما منذ البداية فى الاتحاد وفى نوايا الملك وكونت كلا منهما جمعيتها الجغرافية المنفصلة للقيام بأسمها بنفس العمل
واعلن الاتحاد اهدافه التى تدعى - ادخال الحضارة فى افريقيا من خلال انهاء تجارة الرقيق غير المشروعة واستبدالها بالتجارة المشروعة فى المواد الاولية الافريقية والبضائع الاوروبية المصنعة ونشر -- تصور يا رعاك الله - المسيحية للاخذ بيد الانسان الافريقى البسيط البدائى وفعلا بعث الاتحاد ببعثته الاولى الى شرق افريقيا فى عام 1877م واتبعها باخرى الى اواسط القارة بعد عامين ولكن حدث بين البعثتين تطور هام اثر على تفكير الملك البلجيكى وهو عودة المكتشف الامريكى ( هنرى ستانلى ) بعد اكتشافه حوض نهر الكونغو ونشر نتيجة ذلك الحدث فى صحيفة الديلى تلغراف عام 1877م وذكر من خلال تقريره تلك الثروات الهائلة والامكانات المتوفرة فى المنطقة وجاء فى تقريره ان الدولة التى ستسيطر على مجرى النهر ستسيطر تلقائيا على تجارة اغنى المناطق فى افريقيا وهذه النقطة ادركها الملك وعلم مغزاها لذلك سارع فى التعاقد مع ستانلى باسم الاتحاد وبعث به الى الكونغو لاكتشافه ولكن قبل مغادرة ستانلى لبلجيكا حل الملك الاتحاد الافريقى واعاد اشتراكات الدول الاعضاء اليها لكى يستفرد بكامل الخيرات وبعد ذلك كون الاتحاد العالمى للكونغو باسم بلاده وتحت سيطرته وفعلا نجح ستانلى خلال خمس سنوات فى الوصول الى 450 اتفاقية مع السلاطين الكونغوليين وافقوا فيها على وضع مناطق نفوذهم تحت حماية الاتحاد ولم يكونوا يفقهون ما يعنى ذلك فى القانون القائم على قيم ومفاهيم الحضارة الغربية فيما - اقصد المدنية الغربية - فيما يختص بالملكية الخاصة والعامة والملفت ان تحركات الاتحاد فى اوروبا تحت اشراف الملك ونشاط وكيله ستانلى فى افريقيا قد اثار شكوك ومطامع الدول الاوروبية الاخرى مما دفعها الى الاسراع فى بسط نفوذها وتدعيمه فى حوض الكونغو وخصوصا فرنسا التى بعثت بالمستكشف الفرنسى الضابط سافور دو برازا فى عام 1879م كى يقوم بنفس الدور الذى كان يقوم به ستانلى ولكن باسم فرنسا وكانت تهدف بذلك الى ربط مستعمراتها فى غرب افريقيا بالغابون فى جنوبها الغربى ولم تتخلى فرنسا ابدا عن ادعائها بأن مصر منطقة نفوذ لها رغم ان احتلالها لها فى عام 1798 م لم يستمر اكثر من ثلاث سنوات ولقد ازدادت اهمية مصر لبريطانيا بعد افتتاح قناة السويس فى عام 1869م واضطرار الخديوى اسماعيل الى بيع حصة مصر من اسهم القناة عام 1875 م وكانت الحكومتان البريطانية والفرنسية قد اتخذتا من تدهور وارتباك الاوضاع الاقتصادية والمالية فى مصر ذريعة للتدخل المباشر فى شؤون مصر بالاشراف المباشر على اقتصادها فى عام 1876م بحجة حماية مصالح مستثمريها من خلال وجود مراقبيين ماليين بريطانى وفرنسى
الى ج 2

شكرا دكتور طارق على هذا السرد التاريخى الجميل وننتظر بشغف الجزء الثانى