متى تُرسى أسس البحث العلـمي؟
متى تُرسى أسس البحث العلـمي؟
عفاف لطف الله
تعد نسبة الإنفاق على البحث العلمي أحد مقاييس تقدم المجتمعات، كما تعد الدراسات العلمية الحقيقية الأصيلة والإبداعية إحدى وسائل الارتقاء والتطوير، ولم يعد من المقبول في عصرنا - الذي يمكن تسميته عصر العلم والبحث العلمي- أن يكون ثمة مؤسسة رسمية أو غير رسمية محترمة لا تضم في هيكلها وبنيتها وحدة للبحث العلمي المتخصص في شؤون هذه المؤسسة أو تلك.
وتدل دراسات الجدوى الاقتصادية أن العائد من توظيف البحث العلمي في التطبيق العملي في ميدان ما يفوق أضعافاً مضاعفة ما ينفق عليه، وهذا يعني بطبيعة الحال أن البحث العلمي عمل منتج واقتصادي رابح، إذ يعمل على تبصير الأفراد بالطريق السليم ويدل على السبل الأقصر والأجدى.
إن الإنسان بطبيعته باحث، فمنذ وعيه الحياة يبدأ البحث عن طعامه وشرابه وسبل تلبية حاجاته المختلفة، كما يبحث عن الراحة والأمان والسعادة، وفي الوقت نفسه يبحث عن الفكرة والمعلومة والرأي والخبر، وهو تواق للمعرفة، باحث عنها يروي بها دافع الفضول، وتحقق له نوعاً من أنواع المتعة العليا والسعادة وتعمل على تحقيق ذاته، كما تسهم المعرفة بأنواعها في إسعاد الفرد والمجتمع وتنظيم أساليب الحياة، صحيح أن الإنسان باحث بالفطرة ولكن عملية البحث تحتاج إلى تنظيم وتوجيه وتوظيف وهذا ما يسمى ببساطة شديدة البحث العلمي، والبحث ليس للبحث فقط بل للتطبيق..
إن عملية غرس أسس البحث العلمي المنظم مسألة باتت مهمة جداً، وتتطلب جهوداً متضافرة، تبدأ من المراحل الأولى من حياة الإنسان أي من مرحلة الطفولة، وهذه مسؤولية على الأسرة أن تضطلع بها جيداً وذلك بتشجيع الطفل على الحوار والسؤال وتحريضه على المعرفة والاستكشاف والمشاركة معه في حل المشكلات، كذلك الإجابة عن أسئلته مهما كانت صعبة وحرجة، وتوفير الألعاب له ولا سيما التي تعتمد على المحاكمة العقلية وإعمال الفكر والابتكار، وإتاحة الفرص الكافية له لكي يجرب ويعمل ويكتشف بنفسه.
أما المدرسة فلها الدور الأكبر في إكساب تلاميذها مهارات البحث العلمي المسؤول، كل حسب قدراته وإمكاناته ويتم ذلك بتأكيد استخدام الطرائق الاستكشافية في التعليم وإثارة المشكلات وتكليف الطلبة بمهمات إضافية تتطلب البحث في الكتب والمراجع غير المدرسية المقررة، أو تتطلب البحث في الميدان عن أفكار وآراء وحلول لبعض المشكلات ودراسة ظواهر اجتماعية أو طبيعية والعمل على تقصي أسبابها واستقراء نتائجها وتحليلها وتقويمها.
وصحافة الأطفال ومجلاتهم والانترنت كل منها ميدان رحب للبحث، وله جاذبيته الخاصة بالنسبة إلى الأطفال والشباب، وهذا يقتضي ضرورة تخصيص خبر كافٍ من كل وحدة درسية في سائر المواد الدراسية للبحث والدراسة، كما يتطلب ذلك تنشيط أدوات المخبر والمكتبة المدرسيين وتزويد كل منهما بمستلزمات البحث من كتب ومراجع ومجلات مناسبة، ومواد وأجهزة مخبرية وسوى ذلك.
وعلى عاتق منظمات الأطفال كمنظمة الطلائع جزء كبير من هذه المهمة عبر أنشطتها وفعالياتها اللاصفية التي تعد حاضنة جيدة لهذه المسألة، هذا ويمكن التنويه في هذا المقام بالملتقى التربوي الذي نظمته منظمة الطلائع باهتمام من الدكتور ياسر حورية رئيس مكتب التربية والتعليم العالي القطري إذ لحظ موضوع «غرس أسس البحث العلمي في نفوس الأطفال» لمناقشته وتفعيله وإيلائه كل اهتمام في أنشطة الأطفال وبرامج عملهم.
ولاشك أن لوسائل الإعلام دوراً مهماً في ذلك عبر برامجها ولاسيما برامج الأطفال بتأكيد قيمة العلم والعمل واحترامهما ونبذ الخرافة والتنجيم والابتعاد عن الكسل والاتكالية وضربات الحظ وتشجيع المواهب والمبادرات الخلاقة لدى الأطفال وباختصار نستطيع القول: إذا أردنا أن نبني إنساناً عصرياً فعالاً متفاعلاً، مواكباً المستجدات والمتغيرات، مواجهاً التحديات، لابد من أن نرسي في نفسه وعقله منذ الطفولة أسس البحث العلمي الموضوعي بإكسابه مهارات البحث والتقصي والسؤال والحوار والملاحظة والاستقراء والاستنتاج وحل المشكلات والتحليل والتركيب والتقويم بكل علمية وموضوعية ومحايدة، فهذا العصر الذي نعيشه هو عصر العلم والتكنولوجيا وهو لا يرحم الضعفاء ولا يحمي الجاهلين ولا المقصرين ، ولا يحترم إلا العارفين الفعالين، فلنكن جميعاً جديرين به.
جريدة البعث
رد: متى تُرسى أسس البحث العلـمي؟
السلام عليكم
حقيقة موضوع مؤلم جداجدا
وجميعنا ننادي له
شكرا لك أستاذة ملدا
