صاحب «اللسان الطويل» لا يحقق إلاّ مصلحته الشخصية
(متى نتغيّر ياناس؟)..
(عندك ظهر) أو (لسانك طويل)..أبشر بحقك!
يكفي إحراج «خلوا النظام يمشي على الجميع» واتركونا من ثقافة «أنا من طرف فلان»
صاحب «اللسان الطويل» لا يحقق إلاّ مصلحته الشخصية
فوضى التقديم تربك العمل ولا تنجزه في وقته
النظام يحقق العدالة والمساواة بين المتقدمين
الواقع في مجتمعنا يحكي عن تفش صريح ومعلن لأساليب التعامل المرفوضة والتي يلجأ لها البعض لكسب موقف معين أو الحصول على وظيفة أو علاج، أو حتى إنهاء إجراءات معاملة بسيطة بالرغم من أن النظام والقانون يكفل للجميع حقوقهم دون تمييز أو تحيز، لكن هناك من لا يتوانى في تطبيق ثقافة «أما ظهرك أو لسانك»؛ لأنها -من وجهة نظرهم- تختصر أطول المسافات وتلغي أصعب المواجهات.
فما نراه -وبكل أسف- في بعض أوساطنا هو أنّ الصوت العالي واللسان الطويل هو الحد الفاصل، ومكانة ومحسوبية الظهر هي الحكم الذي يحسم الأمر، والأكثر شناعة هو الخوف من مناقشة من هو أعلى صوت تجنب لطولة لسانه المتوقعة أو قبول «واسطة»، وظهر فلان لأن «حضرته» لا يرد له طلب، والنتيجة التي لا ترضينا كمجتمع يفترض أنه «حضاري»، هي رسوخ قاعدة هذا صاحب مشاكل نبي نفتك منه، أو هذا من طرف فلان مانبي نقصر معه، فكم هي موجعة تلك اللحظات التي مرت على أحدنا حين رأى أن حقه سلب من أمام عينيه فقط لأنه لا يمتلك «لسانا سليطا» وربما طويلا أو «ظهرا» يستند عليه.
تحقيق «الرياض» يناقش انتشار هذا السلوكيات وأسبابها وكيفية معالجتها من خلال آراء عدد من المختصين.
في البداية أوضح «د.إبراهيم بن مبارك الجوير» -عضو مجلس الشورى واستاذ علم الاجتماع-أنّ المجتمع الذي يجعل من أولوياته التعامل مع أصحاب الواسطة أو الخوف من أصحاب الألسنة السليطة؛ ستكون بيئته ضعيفة، ومبنية على ثقافة زائفة فمن كان صاحب حق لاشك سيتمكن من أخذه بكل الوسائل حتى وإن اضطر للصوت العالي؛ لأنّ من كان الحق معه فهو صاحب قوة، ولكن من الأفضل أن تكون هناك لغة للتعامل أكثر رقيا ووعيا يكون فيها الحوار المنطقي هو خير الحلول أما من يحاول أن يأخذ غير حقه بطولة لسانه وحنجرته القوية، فهذا عناد وينطبق عليه قول الرسول صلى الله عليه وسلم: «لعل أحدكم ألحن بحجته من الآخر فإذا قضيت له بشيء، فإنما أقضي له بقطعة من نار».
وأكد على أنّ هؤلاء يعتبرون من الظالمين والمعتدين الذين يجب الوقوف ضدهم وعدم تمكينهم من أخذ حقوق غيرهم والمسؤول أو الموظف الذي يواجه في عمله أصحاب الصوت العالي والألفاظ الحادة لابد أن يلجؤوا للإجراءات، التي تمنع هذا وذاك من استسهال التعاطي بمثل تلك الأساليب ومتى ما كان النظام والمسؤول والموظف حازما وعادلا سنتخلص من تلك المهاترات التي تسقط الفرص من مستحقيها ليحظى بها من لا يستحقها وهذا ما نخشاه.
وأشار «أ.د.عبدالرزاق بن حمود الزهراني» -أستاذ علم الاجتماع في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية- الى أنّ سبب لجوء بعض المراجعين للإدارات الحكومية «لوسيلة الظهر» يعود لأمرين الأول يتعلق بتركيبة المجتمع القائمة على القبلية والاعتماد على الآخرين، فالبعض لو كان الطريق ميسرا وسهلا لقضاء حاجته فإنه يترك ذلك ويلجأ للبحث عن ظهر وسند لأنه تعود على ذلك، وربما يجد في الحديث عما فعله في هذا الشأن أمام الآخرين متعة ونشوة، لظنه أن ذلك دليل على نفوذه ومكانته وكثرة معارفه هنا وهناك، ومن ناحية أخرى لا يجد كثيرون ممن ينهجون هذا النهج الملتوي والذي يؤدي في أحيان كثيرة إلى أخذ حقوق الآخرين لا يجدون جزاءً رادعاً عندما يُكشف أمرهم، وتعرف الجهات المختصة أنهم استخدموا الواسطة للوصول إلى غاياتهم، وهذا يفسر لنا السبب الثاني لانتشار هذا الطرق وهي أنها أصبحت مقبولة اجتماعياً، ولا يوجد برنامج لمحاربتها ومعاقبة من يتعاطاها وخاصة عندما تؤدي إلى إحقاق باطل أو إبطال حق، أما الواسطة المحمودة فهي مساعدة الناس في الوصول إلى حقوقهم المشروعة وهذا النوع يدخل في باب الشفاعة الحسنة.
وأضاف: ونجد بعض المراجعين يستخدم أسلوب رفع الصوت وهو أسلوب فيه شيء من البلطجة والهمجية، وذلك كوسيلة لإخضاع الطرف الثاني مستخدمين قاعدة «أغلبوهم بالصوت» وللأسف قد ينجح كثير منهم في ذلك؛ لأنهم ربما لا يجدون من يتوسط لهم كذلك يعمد بعضهم إلى إحراج الموظف أو المسؤول ودفعه لإنجاز طلبه وإلا ربما تعرض لمشكلة من رئيسه وإدارته أو جهة عمله، مؤكداً على أنّ كلا الأسلوبين مرفوض وكل منهما يدل على سلوك غير حضاري، والحل يكمن في تسهيل قنوات المراجعة وإيضاح السبل لإنجاز معاملات المراجعين فإدارة الجوازات مثلاً لا يحتاج من يراجعها إلى واسطة، أو إلى رفع الصوت فكل من يراجع تنجز معاملته في وقت قصير وبطرق واضحة وبينة لكل مراجع والتقنيات الحديثة يمكن أن توظف لخدمة المراجعين، ومنها الفاكس، والبريد الإلكتروني ورسائل الجوال التي تريح الموظف والمراجع، حيث بدأ تطبيق بعض تلك الإجراءات في بعض الإدارات الحكومية مثل التقديم للجامعات عن طريق الانترنت والتسديد عن طريق الصراف، ونحو ذلك، مؤكداً على حاجة المجتمع إلى أنظمة واضحة وميسرة، وإلى وعي ومساواة بين الجميع.
وفي هذا السياق قال «د.عبدالعزيز الغريب» -أستاذ علم الاجتماع بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية- إنه عند غياب العدالة الاجتماعية ومفاهيم المساواة والشفافية يستعيد بعض الناس شيئا من الأساليب التقليدية التي كانت موروثة لديهم، أو مخزونة في العقل الباطن؛ ليحصلوا على حقوقهم في المجتمعات المعاصرة، مشيراً إلى أن هذا مؤشر على أنّ نمطية المجتمع لم ترتق إلى أن تصبح مجتمعا مدنيا متحضرا تدرك به الناس أنه إذا لم تحصل على شيء معين فإنه ليس لها، وتؤمن كذلك بقيمة وأنظمة مجتمعها، وبمعنى آخر لو أن أحد الأسر لم يقبل ابنها في الجامعة فإنها لا تضجر ولا تحزن لأنها تؤمن بأن ابنها لم يحالفه التوفيق كغيرة من الطلاب؛ لكن الواقع لدينا هو عكس ذلك تماماً، حيث تتفأجا بعض الأسر بأن ابنها المتفوق دراسياً لم يلتحق بالجامعة بينما طالب آخر أقل مستوى منه التحق بها بطرق غير سليمة هذا مجرد مثال على أن لدينا من لا يحترم النظام في المجتمع السعودي.
وأضاف «د.الغريب»: مجتمعنا كغيره من المجتمعات يواجه إشكالية في بعض التشريعات والأنظمة وهو وجود ثغرات واضحة بما ينص عليه النظام مع الأسف الشديد أسميتها في إحدى مقالاتي «الفساد النظيف»، حيث توجد هناك ثغرة في تلك الأنظمة تقول إكساب صاحب الصلاحية اتخاذ مايرى، فمن هذه الثغرة كثير من الحقوق تعطى للآخرين وتسلبه من آخرين،
مشيراً إلى أنّ المجتمع السعودي يؤمن بعدة مفاهيم تؤصل تلك الأساليب الملتوية منها مثلا «أخذ المراد بالمال أو الجاه» أو يطبقوا مبدأ «أغلبوهم بالصوت»، وهذا يعني أن المجتمع المعاصر يصل الى مرحلة الصراع الاجتماعي في ثلاثة جوانب هي عدم المساواة وغياب العدالة الاجتماعية، وتدني الفرص بين الناس مع زيادة الإقبال على هذه الفرص، وهذا يولد الصراع، لذلك يستعين هؤلاء بهذه الأساليب التقليدية وهي عادة ما تكون الاستعانة بالوجهاء والقوة ورفع الصوت، مؤكداً على أنّ المجتمع اليوم يؤمن في ظل هيئة محاربة الفساد وفي ظل التشريعات الحديثة التي تضبط مثل هذه الظواهر بتغيره للأفضل إذا تكاتفت جهود أفراده فالمجتمع -وفق تصوري- يستطيع القضاء عليها متى ما وضحت الأنظمة والتعليمات والتشريعات التي تنظم التفاعل الاجتماعي وحصول الناس على حقوقهم بكل ما تعنيه تلك الكلمة.
وأوضح «عقل إبراهيم الباهلي» -كاتب ومهتم بحقوق الإنسان- أنّ قوة الظهر أو اللسان في العلاقات الاجتماعية؛ هي تعبير مخجل عن انتشار الفساد وغياب الاحترام ودليل على أن المجتمع لا يزال يحتكم إلى قوانين القوة والعلاقات التراثية، ومن يمارس هذا النوع من التعامل لا يجد الرادع الأخلاقي ولا القانوني ولذلك يتمادى في الممارسة غير الشرعية، لافتاً أنّ الخلل يكمن في عدم ملاحظة المتجاوزين وإيقافهم عند حدهم بل تجد المجتمع أحياناً يثمن قفزاتهم غير القانونية على حقوق الناس ومصالحهم.
وأضاف: من الممكن أن نحد من تلك الظاهرة بتحديث النظام العام للمجتمع وفق الضوابط الأخلاقية والإنسانية وتأسيس أجهزة شعبية للرقابة ومكافحة الفساد، بحيث تقوم هذه الأجهزة بمراقبة الجميع الكبير قبل الصغير والمسؤول قبل المواطن فما نشهده اليوم من مؤسسات رقابية مخجل؛ لأنّ رشوة ب 500 ريال يعاقب فاعلوها ولا يعاقب أصحاب رشاوى مشاريع بالمليارات يجري كشفها ولذلك لا يصدق المجتمع في الوقت الراهن أي حديث عن مكافحة الفساد.
http://www.alriyadh.com/2011/09/14/article667158.html
