عَلَى مِثْلِهَا تَبْكِي السَّمَاءُ ، في رثاء أختي شعر الدكتور/عزت سراج
إلى أختي هويدا
زهرة الروح التي قطفت قبل أوانها
ولما تزل تفوح بالعبير
للشاعر الدكتور / عزت سراج
عَلَى مِثْلِهَا تَبْكِي السَّمَاءُ
ـــــــ
عَلَى مِثْلِهَا تَبْكِي السَّمَاءُ وَتَجْزَعُ=وَتَبْكِي عَلَيْهَا الأَرْضُ حُزْنًا وتُفْجَعُ
وَتَرْنُو وَرَاءَ النَّعْشِ ثَكْلَى شَوَارِعٌ=تَئِنُّ عَلَى الصَّفَّيْنِ وَجْدًا وَتَدْمَعُ
وَيَبْكِي جِدَارٌ مِنْ وَرَاءِ جِدَارِهَا=وَيَهْذِي رَصِيفٌ فِي الطَّرِيقِ وَيَهْرَعُ
وَيَغْفُو عَلَى الأَحْزَانِ خَلْفَكِ مَسْجِدٌ=يَظَلُّ وَيُمْسِي فِي الضَّرَاعَةِ يَشْفَعُ
يُحَلِّقُ عُصْفُورٌ أَمَامَ حَمَامَةٍ =وَخَلْفَهُمَا سِرْبٌ يَحُطُّ وَيُقْلِعُ
يَرُوحُ وَيَغْدُو جَانِحًا فَوْقَ قَبْرِهَا=وَللهِ سِرْبٌ فِي السَّحَابَةِ مُسْرِعُ
يَطِيرُ بَعِيدًا ثُمَّ يَهْبِطُ قُرْبَهُ=عَلَى دَوْحَةِ الأَشْوَاقِ يَدْعُو وَيَهْجَعُ
يَحِنُّ إِلَيْهَا الدَّوْحُ وَهْيَ بَعِيدَةٌ=وَتَهْلَكُ أَرْوَاحٌ عَلَيْهَا وَتَصْدَعُ
فَلا الصَّبْرُ يُخْفِي مِنْ عَذَابَاتِ أَهْلِهَا=وَلا هُوَ يُبْدِي سُلْوَةً حِينَ تَفْزَعُ
وَلِلصَّبْرِ غَايَاتٌ وَلِلْمَوْتِ رَاحَةٌ=وَلَيْسَ إِلَى الْغَايَاتِ بَعْدَكِ مَطْمَعُ
فَنِعْمَ مَمَاتٌ بَعْدَ طُولِ مَشَقَّةٍ=وَبِئْسَ حَيَاةٌ بَعْدَ مَوْتِكِ تُمْتِعُ
وَهَيْهَاتَ أَنْ نَحْيَا وَوَجْهُكِ غَائِبٌ=وَنُورُكِ لا يَمْحُو الظَّلامَ وَيَقْشَعُ
فَلا طَابَتِ الدُّنْيَا وَحُلْوُ مَذَاقِهَا=وَعُودِيَ صَبَّارٌ وَكَأْسِيَ مُتْرَعُ
تَسَاقَطُ مِنَّا أَنْفُسٌ فَوْقَ أَنْفُسٍ=وَتَهْوِي رُؤُوسٌ تَحْتَهَا وَهْيَ تَخْضَعُ
فَكَمْ مِنْ صَغِيرٍ بَاتَ فِي اللَّيْلِ صَارِخًا=وَكَمْ مِنْ كَبِيرٍ يَسْتَعِيذُ وَيَرْكَعُ
فَلِلَّهِ هَذَا الْمَوْتُ لَيْسَ بِرَاحِمٍ =أَبًا بَاكِيًا ضَعْفًا وَأُمًّا تُرَجِّعُ
إِذَا كَانَ مَوْتُ الشَّيْخِ قَدْ يُوجِعُ الْفَتَى=فَمَوْتُ حَبِيبٍ فِي الثَّلاثِينَ أَوْجَعُ
أَتَغْرُبُ شَمْسٌ مِنْ ضُلُوعِي عَزِيزَةٌ=وَيُشْرِقُ نُورٌ فِي الْقُبُورِ وَيَطْلُعُ ؟
ثَقِيلٌ عَلَيْنَا الْمَوْتُ حِينَ يَجِيئُنَا=وِلِلْمَوْتِ أَنْيَابٌ تَعَضُّ وَأَذْرُعُ
يَمُرُّ عَلَيْنَا الْيَوْمُ لَسْنَا نُعِيدُهُ=وَإِنَّا ـ وَإِنْ شِئْنَا الْخُلُودَ ـ لَنُصْرَعُ
يُطَافُ عَلَيْنَا بِالْكُؤُوسِ مَلِيئَةً=فَتَشْرَبُ إِنْ شِئْتَ وَإِنْ شِئْتَ تَمْنَعُ
وَيَأْتِي الرَّدَى مُرَّ الْمَذَاقَةِ بَغْتَةً=فَنَشْرَبُ كَأْسَ الْمَوْتِ حَتْمًا وَنَجْرَعُ
فَقَدْ كَانَتِ الدُّنْيَا تُحِيطُ بِبَهْجَةٍ=فَتَضْحَكُ أَرْوَاحٌ وَيَسْعَدُ مَرْبَعُ
وَيَبْسُمُ وَرْدُ الرَّوْضِ حِينَ تَفَتُّحٍ=فَتَطْرَبُ أَكْوَاخٌ وَيَهْنَأُ مَسْمَعُ
وَنَقْطِفُ زَهْرَ الْقُطْنِ وَهْوَ مُنَوِّرٌ=فَتَنْعَسُ أَهْدَابٌ وَتَرْتَاحُ أَضْلُعُ
وَكُنَّا صِغَارًا لا نُفَارِقُ بَعْضَنَا=تُسَابِقُنِي لِلْبَيْتِ لَهْوًا وَتُسْرِعُ
وَنَصْعَدُ صَفْصَافًا وَنَقْتَاتُ تُوتَةً=عَلَى جِذْعِهَا الْوَانِي تُهَفْهِفُ أَفْرُعُ
وَتَضْحَكُ مِلْءَ الثَّغْرِ حِينَ أَشُدُّهَا=وَأَحْمِلُهَا عَطْفًا وَلِلسَّقْفِ أَرْفَعُ
تَرُدُّ يَدِي مَكْرًا وَتُبْعِدُ شَعْرَهَا =وَتُلْوِي بِرَأْسِي جَانِبًا ثُمَّ تَدْفَعُ
وَتَمْضِي تَحُثُّ الْخَطْوَ نَحْوِي تَشَوُّقًا=وَتَرْجِعُ مِنْ خَلْفِي إِلَى حَيْثُ أَرْجِعُ
فَكَانَتْ حَبِيبًا لا يُفَارِقُ مُهْجَتِي =وَكُنْتُ أَخَا وُدٍّ يَصُونُ وَيَمْنَعُ
فَمَا بَالُهَا صَمَّتْ عَنِ النَّاسِ أُذْنُهَا=فَلا نَطَقَتْ حَرْفًا وَلا هِيَ تَسْمَعُ
تَبَدَّلَ حُسْنُ الأَرْضِ حُزْنًا وَغَيَّرَتْ=سماءٌ فضاءً وَالْحَدَائِقُ بَلْقَعُ
تَفَرَّقَ شَمْلُ الأَهْلِ بَعْدَ تَوَحُّدٍ=وَكَانَتْ تَضُمُّ الأَبْعَدِينَ وَتَجْمَعُ
تُقَرِّبُ مَظْلُومًا وَتُبْعِدُ ظَالِمًا=وَتُطْعِمُ مِسْكِينًا تَصُومُ وَيَشْبَعُ
وَتَحْنُو عَلَى طِفْلٍ يَتِيمٍ تَضُمُّهُ=إِلَى صَدْرِهَا الْحَانِي تَرِقُّ وَتُرْضِعُ
وَتَأْوِي الأَيَامَى حِينَ تُغْلِقُ بَابَهَا=رِجَالٌ عَلَى ضَيْمٍ تَعِيشُ وَتَقْنَعُ
فَيَا لَكِ مِنْ أُخْتٍ يَعِزُّ وُجُودُهَا=عَلَى زَمَنٍ فَيهِ الذَّلِيلُ مُمَنَّعُ
يَفِرُّ ضَعِيفٌ ، وَالْجَبَانُ مُؤَمَّنٌ=وَكَرَّ قَوِيٌّ ، وَالشُّجَاعُ مُرَوَّعُ
يَصُونُ الذَّلِيلُ الْمُسْتَرِيحُ لِبَاطِلٍ=وَمِنْ تَعَبٍ حَقُّ الْعَزِيزِ مُضَيَّعُ
فَأَنْتِ ـ وَإِنْ حَنَّ الْفُؤَادُ ـ وَدِيعَةٌ =يَجُودُ بِهَا رَبٌّ يَضُرُّ وَيَنْفَعُ
أَرَاحَكِ مِنْ هَمِّ الْحَيَاةِ وَجَوْرِهَا =وَفُزْتِ بِرِضْوَانٍ وَوَجْهُكِ أَنْصَعُ
يَطُوفُ عَلَيْكِ الصَّابِرُونَ بِجَنَّةٍ =وَكَفُّكِ مَخْضُوبُ الْبَنَانِ مُرَصَّعُ
فَطُوبَى لِعَبْدٍ فِي مَنَازِلِ رَبِّهِ =يُمَازِجُ حُورًا فِي الْجِنَانِ وَيُمْتَعُ
وَلَسْنَا ـ وَإِنْ شِئْنَا الْحَيَاةَ ـ خَوَالِدًا=وَكُلُّ امْرِئٍ يَوْمَ الْفَرَاقِ يُوَدَّعُ
فَلَيْسَ امْرُؤٌ يَسْطِيعُ رَدَّ قَضَائِهِ=إِذَا جَاءَ مَنْظُورًا عَلَى الْبَابِ يَقْرَعُ
يَدُقُّ عَلَيْهِ الرُّوحَ حِينَ يَرُدُّهَا =إِلَيْهِ سَرِيعًا فِي يَدَيْهِ ، فَتُنْزَعُ
وَإِنْ طَالَ عُمْرُ الْمَرْءِ أَوْ قَلَّ عُمْرُهُ=فَلا بُدَّ أَنْ يَأْتِي رَحِيلٌ وَيُسْرِعُ
تَجِيءُ مَنَايَانَا عَلَى حِينِ غِرَّةٍ =وَتَضْرِبُ مِنَّا مَنْ تَشَاءُ وَتَصْرَعُ
وَتَنْشِبُ فِي الأَرْوَاحِ مِنَّا أَظَافِرًا =وَيَدْخُلُ نَابٌ فِي الْعُرُوقِ وَإِصْبَعُ
وَتَخْرُجُ رُوحٌ فِي إِبَاءٍ عَزِيزَةٌ=تَذَلُّ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ وَتَخْشَعُ
وَتَلْتَفُّ سَاقٌ فَوْقَ سَاقٍ وَتَرْتَقِي =إِلَى اللهِ نَفْسٌ تَسْتَغِيثُ وَتَضْرَعُ
وَيُحْمَلُ جُثْمَانٌ وَيُلْقَى بِحُفْرَةٍ =يُوَارَى عَلَيْنَا بِالتُّرَابِ وَنُقْمَعُ
وَيَحْثُو عَلَيْنَا فِي بُكَاءٍ صَدِيقُنَا =وَيَنْأَى بَعِيدًا ثُمَّ يَسْلُو وَيَرْجِعُ
يَضِيقُ عَلَيْنَا الْقَبْرُ حِينَ يَضُمُّنَا =وَكُنْا نُغَنِّي فِي الرُّبُوعِ وَنَرْتَعُ
فَإِمَّا إِلَى رَوْحٍ وَرَيْحَانِ جَنَّةٍ =وَإِمَّا إِلَى نَارٍ نُسَاقُ وَنُسْفَعُ
فَلَيْسَ مِنَ الأَهْوَالِ لِلْمَرْءِ مَهْرَبٌ=وَلَيْسَ لَنَا إِلا إِلَى اللهِ مَفْزَعُ
فَلا تَحْزَنِي يَا أُمِّ إِنْ يَغْلِبِ النَّوَى=وَإِنْ غَابَ نَجْمٌ أَوْ تَبَاعَدَ مَطْلَعُ
سَتَطْلُعُ شَمْسٌ مِنْ دَيَاجِيرِ قَبْرِهَا=وَتُشْرِقُ بِالأَنْوَارِ يَوْمًا وَتَسْطَعُ
ــــــــ
قصيدة من مجموعة
هكذا نبكي
للشاعر الدكتور / عزت سراج
أستاذ الأدب والنقد المساعد
كلية التربية ـ جامعة الملك خالد
مصر ـ طنطا ـ محلة مرحوم
20/10/2009م
رد: عَلَى مِثْلِهَا تَبْكِي السَّمَاءُ ، في رثاء أختي شعر الدكتور/عزت سراج
السلام عليكم
تشرفت بمصافحة قصيدتك الاولى في الفرسان
وفقك الله واهلا بك دوما
رد: عَلَى مِثْلِهَا تَبْكِي السَّمَاءُ ، في رثاء أختي شعر الدكتور/عزت سراج
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين
جزاك الله خيرا وبارك الله لك وعليك
رد: عَلَى مِثْلِهَا تَبْكِي السَّمَاءُ ، في رثاء أختي شعر الدكتور/عزت سراج
قصيدة رائعة ومؤثرة
رثائية ملتهبة الشعور
ورحم الله الفقيدة وألهمكم الله الصبر
من الابيات
إِذَا كَانَ مَوْتُ الشَّيْخِ قَدْ يُوجِعُ الْفَتَـى
فَمَـوْتُ حَبِـيـبٍ فِــي الثَّلاثِـيـنَ أَوْجَــعُ
لوقلت
إذا كان موت الشيخ يوجع للفتى
لكان افضل
يفضل عدم استخدام ( قد) لأنها جاءت حشو من اجل الوزن
وهي تضعف المعنى
فقولك قد يعني ان موت الشيخ قد يوجع او لا يوجع
فليس فيه تأكيد للمعنى
تحيتي
ظميان غدير
رد: عَلَى مِثْلِهَا تَبْكِي السَّمَاءُ ، في رثاء أختي شعر الدكتور/عزت سراج
رحم الله الفقيدة واسكنها فسيح جنانه انه سميع مجيب الدعاء
وحقاً ان الحب يولد الحب والوفاء شمة المحبين ..
قصيدة في منتهى الروعة أثرت فينا وفعلت فينا ما فعلت...
دمت بحب...