www.omferas.com
شبكة فرسان الثقافة

كيف انتصر سليم الأول؟/د. فايز أبو شمالة

0

قرأنا عن معركة “مرج دابق”؛ المعركة التي دارت قرب حلب، في أغسطس 1517، بين العثمانيين الذين قادهم “سليم الأول” والمماليك الذين قادهم “قانصوة الغوري”، وقرأنا عن الهزيمة الماحقة التي لحقت بالمماليك، ومكنت العثمانيين من السيطرة على بلاد الشام ومصر،

كيف انتصر سليم الأول؟!
د. فايز أبو شمالة
قرأنا عن معركة “مرج دابق”؛ المعركة التي دارت قرب حلب، في أغسطس 1517، بين العثمانيين الذين قادهم “سليم الأول” والمماليك الذين قادهم “قانصوة الغوري”، وقرأنا عن الهزيمة الماحقة التي لحقت بالمماليك، ومكنت العثمانيين من السيطرة على بلاد الشام ومصر، وقرأنا عن اكتشاف العثمانيين للبارود، وانه كان السبب في هزيمة جيش المماليك، وقرأنا من أسباب المعركة؛ أن البرتغاليين بعد معركة “ديــو” سنة 1509م أصبحوا هم أصحاب السيادة على المياه الإسلامية الجنوبية، حتى أنهم أعلنوا عن عزمهم على قصف “مكة” أو “المدينة”، وقرأنا عن وجود مراسلات بين قائد المماليك “قانصوه الغوري” وبين الشاه إسماعيل الصفوي الشيعي الذي كان يخشى من انتقال الخلافة إلى “بنى عثمان”، وتحولهم إلى قوة معنوية كبيرة عند المسلمين، تلك القوة التي حدت فيما بعد من أطماع أوروبا المسيحية في الدولة العثمانية، وقضت على الخطر البرتغالي في جنوب البحر الأحمر. كل ما سبق لا يشكل مبرراً مقنعاً لانتصار العثمانيين على المماليك، لو لم تكن الأوضاع الداخلية لدى دولة المماليك تقوم على الظلم والقهر والاستبداد، لقد كره المواطن العربي دولة المماليك قبل معركة “مرج دابق” واكتشف مساوئها السياسية والثقافية والعقائدية والاقتصادية والعسكرية، فدخل المقاتل المعركة غبر مقتنع بالتضحية من أجل الحاكم، وكان الشعب غير مقتنع بضرورة افتداء المقاتل وحمايته من أجل السلطان، وكانت معالم الأرض غير مقتنعة بأهمية الدفاع عن سلطان لم يحم المقدسات الإسلامية.        بعد خمسمائة عام لا يجد المواطن العربي مسافة تفصل بين الحاكم العربي الذي يوقع المعاهدات والاتفاقيات مع إسرائيل وبين السلطان “قانصوة الغوري”، بعد خمسمائة عام يكتشف المواطن العربي أن الأسباب التي أدت إلى هزيمة الجيوش النظامية العربية أمام جيش إسرائيل هي ذات الأسباب التي أدت لهزيمة جيش المماليك أمام جيش العثمانيين، ويكتشف المواطن العربي أن الحاكم الذي يصمت على تهويد القدس غير جدير إلا باحترام اليهود، وقد رضيت عنه دولة إسرائيل، وارتضته أمريكا حاكماً يتدثر باللحاف الإسرائيلي. طالما يحرّض على جدوى السلام مع إسرائيل، ويطلق المبادرات، ويحرص على تطبيق بنود الاتفاقيات والمعاهدات الموقعة معها، كخير ضامن لبقائه في السلطة! من مفارقات التاريخ، أن “قانصوة الغوري” قد لجأ إلى تحريض أهل دمشق ليشتركوا معه في الحرب، واتهم العثمانيين بخيانة فكرة الجهاد الإسلامي في أوروبا، وأشاع أن السلطان العثماني قد استعان بجنود من النصارى، والأرمن ليحارب بهم جند الله المجاهدين ضد البرتغاليين، ولكن أهل دمشق لم يصدقوا هذه الاتهامات، لذلك عندما دارت رحى المعركة، انفصل ولاة الشام بمن معهم والتحقوا بجيش العثمانيين، فانهزم جيش المماليك، ودخل السلطان سليم الأول حلب وحماة وحمص ودمشق بالترحيب.ومن مفارقات التاريخ، أن هزيمة العرب في معركة “مرج دابق” جاء بعد سنوات قليلة من هزيمتهم في معركة “غرناطة” 1492م، وخروجهم المهين من بلاد الأندلس.        ومن مفارقات التاريخ أن شعوب الأرض تسترشد بالتاريخ لتضع علاماتها الجغرافية،  ما عدا الحاكم العربي، الذي يصر على القفز من فوق ظهر التاريخ، بعد أن وضع اللجام في فم الشعب، وقيد قدراته بالسلاسل، ليلاقي مصير “قانصوة الغوري”.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.