www.omferas.com
شبكة فرسان الثقافة

الحرية.. لأسرى الوطن/د. لطفي زغلول

0

بداية أمد يدي أصافح كل أسير وأسيرة يقبع خلف قضبان الإحتلال الصهيوني. أشد على يد كل أسير وأسيرة طفلا كان أو طفلة، شابا أو شابة، رجلا أو إمرأة. أقف في هذا اليوم خاشعا، رافعا يدي إلى السماء، داعيا الله عز وجل أن يمن عليهم بالخلاص والحرية، وأن يعيدهم سالمين إلى أهلهم وذويهم. فلا بد لليل مهما طال أن ينجلي، ولا بد للقيد أن ينكسر. وتحية إكبار وإجلال لهم، ولكل أم وأب وأخت وأخ وإبن وإبنة ينتظرون ساعة خلاصهم.

 

في أسبوع الأسير الفلسطيني

الحرية.. لأسرى الوطن

د. لطفي زغلول
www.lutfi-zaghlul.com

 بداية أمد يدي أصافح كل أسير وأسيرة يقبع خلف قضبان الإحتلال الصهيوني. أشد على يد كل أسير وأسيرة طفلا كان أو طفلة، شابا أو شابة، رجلا أو إمرأة. أقف في هذا اليوم خاشعا، رافعا يدي إلى السماء، داعيا الله عز وجل أن يمن عليهم بالخلاص والحرية، وأن يعيدهم سالمين إلى أهلهم وذويهم. فلا بد لليل مهما طال أن ينجلي، ولا بد للقيد أن ينكسر. وتحية إكبار وإجلال لهم، ولكل أم وأب وأخت وأخ وإبن وإبنة ينتظرون ساعة خلاصهم.
وإذا كان الشعب الفلسطيني هذه الأيام يحيي أسبوع أسراه في المعتقلات الإسرائيلية، فهذا لا يعني بأي شكل من الأشكال أن قضية الأسرى الفلسطينيين هي موسمية، لها أيام معدودة. لقد شكلت منذ وقوع أول أسير وما زالت قضية الأسرى إحدى أهم القضايا الساخنة التي تمس الشارع الفلسطيني، وهي أيضا تبرز باعتبارها أحد الثوابت الوطنية الرئيسة التي يتسلح بها أي مفاوض فلسطيني على مائدة مفاوضات أية عملية سلمية محتملة.
إنطلاقا فإن الحكومات الإسرائيلية أيا كان لونها السياسي تتخذ من قضية الأسرى وسيلة ضغط على الفلسطينيين، وآلية تعذيب ومعاقبة لهم. من هنا فهي جادة بملء معتقلاتها بصورة مستدامة لم تنقطع في يوم من الأيام على مدار سنوات احتلالها لكامل الوطن الفلسطيني منذ العام 1967، وقوائم من تسميهم بالمطلوبين الفلسطينيين أمنيا لها طويلة ومتجددة ، ولا تنتهي.
هنا يجدر بنا أن ننطلق من تعريف مفهوم الأسير كما هو في القوانين والأعراف الدولية. هناك تعريف واحد للأسير ينطبق على كل من ألقي القبض عليه من قبل الخصوم والأعداء سواء كان ذلك في غمرة القتال، أو الإستعداد له، أو الإغارة عليه في عقر داره، فهو عندئذ يكون أسير حرب. وفي العصر الحديث أقرت الشرعية الدولية اتفاقيات جنيف بشأن أسس معاملة الأسير وبقية الإجراءات التي ينبغي على الآسرين أن يطبقوها عليه بحذافيرها، بما فيها حتمية منحه حق الحرية بالإفراج عنه، والعودة إلى وطنه وأهله مهما طالت مدة أسره.
  بناء عليه ثمة فرق كبير بين الأسير والسجين. إن السجين هو شخص آخر يطلق عليه سجين الحق العام، أي كل من ارتكب مخالفة قانونية أو جنحة أو جريمة أيا كانت، وأمره يعود إلى قوانين بلاده. وهناك السجناء السياسيون أو الموقوفون السياسيون جراء معارضة أو ممارسة سياسية أو اختلاف في الرأي. وفي العالم الثالث يكثر هذا الشكل من السجناء على خلفية انعدام الديموقراطية وغياب منظومة حقوق الإنسان.
 إن الأسير لا يحاكم ولا يحكم عليه بالسجن إلا إذا ثبت بما لا يدع مجالا للشك أنه ارتكب جرائم حرب، أو جرائم ضد الإنسانية، ساعتئذ تتولى أمره محاكم دولية خاصة بهذا النوع من المحاكمات وهي المخولة في البت في أمره. وعليه فإن الأسير لا يعامل معاملة السجناء العاديين ولا يحشر معهم في سجونهم.
إنطلاقا من هذه المقدمة القانونية المبسطة جدا، نعرج على قضية أسرانا الفلسطينيين في المعتقلات الإسرائيلية. منذ العام 1948 هناك حرب دائرة بين الفلسطينيين والإسرائيليين عبر أساليب قتال مختلفة ومتنوعة. جراء هذه الحرب وقع عدد كبير من القتلى والجرحى والأسرى من كلا الطرفين.
بطبيعة الحال فإن جل الأسرى كانوا من الفلسطينيين، ذلك أن إسرائيل تمتلك من القوة والعتاد والعدة والتقنيات القتالية المتطورة، ما مكنها أن يكون لها هذا العدد الكبير من الأسرى الفلسطينيين. وكانت هناك حالات محدودة ومعدودة لوقوع أسرى إسرائيليين في أيدي الفلسطينيين.
لقد دأبت الحكومات الاسرائيلية المتعاقبة منذ تأسيس دولة اسرائيل في العام 1948 حتى أيامنا الحالية على انتهاج سياسة ثابتة تجاه الأسرى الفلسطينيين، تتمثل في عدم اعتبارهم أسرى حرب، ومعاملتهم على أنهم ” قتلة، مخربون، إرهابيون، أو خارجون على القانون، أو خطرون، أو أعضاء في تنظيمات معادية
 وهكذا فإن كل من وقع في يدها أو ألقت القبض عليه زجته في غياهب سجونها بعد أن قدمته إلى محاكمها الأمنية وأصدرت عليه أحكاما تتراوح مددها ما بين شهور إلى سنين طوال، وانتهاء بعشرات المؤبدات. وهناك في سجونها ومعتقلاتها فئة أخرى من الأسرى الفلسطينيين تطلق عليهم مسمى الموقوفين إداريا وهم لا يحاكمون وإنما يمكن تجديد مدة موقوفيتهم، وهي في الغالب ستة أشهر قابلة للتجديد التلقائي.
 لقد دأبت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة على تصنيف الأسرى الفلسطينيين. فهناك فئة تقول عنها إن أيديها “ملطخة بالدم”، وأخرى تقول عنها إنها منتمية لهذا التنظيم أو ذاك، وثالثة ورابعة تصنفها كما يحلو لها، وكثير من هذه الفئات، ومن منظور إسرائيلي، لا يمكن أن تدخل في أية تسوية لإطلاق سراحها.
 في ذا ت السياق، وعلى خلفية هذا المنظور الإسرائيلي في تعاملها مع الأسرى الفلسطينيين فإن ظروف اعتقالهم تظل إحدى القضايا الإنسانية اللافتة للنظر، والأكثر تأثيرا في الشارع الفلسطيني. فهي لا تخضع لاتفاقيات جنيف بأي شكل من الأشكال، وبناء عليه فلم يعد وصف أحوال هؤلاء الأسرى ضربا من التخيل أو التخمين.
إن جل الأسرى يعيشون في معتقلات نائية محاطة بالإسلاك، إحدى أهم سماتها الإكتظاظ الشديد وانقطاعها عن العالم الخارجي. وأما الظروف الحياتية فهي سيئة للغاية وتنعدم فيها أبسط الشروط لإيواء البشر، علاوة على عوامل العزلة، وانقطاع الاتصال بالأهل، كون الزيارات تخضع هي الاخرى لمعايير خاصة فرضتها الحكومات الاسرائيلية المتعاقبة. وهذا يفسر الاضرابات المتلاحقة عن الطعام التي يقوم بها الأسرى بين الفينة والاخرى احتجاجا على هذه الظروف اللاإنسانية.
 إن موضوع الأسرى الفلسطينيين بالغ الأهمية، وهو جزء لا يتجزأ من القضية الفلسطينية التي يطالب كل فلسطيني ويصر أن يوجد لها حل شامل وعادل، وهذا الحل لا يمكن أن يكتمل إلا بإغلاق ملف الأسرى الذي هو واحد من منظومة الثوابت الفلسطينية. والفلسطينيون صغيرهم قبل كبيرهم لا يتصورون سلاما يحل في المنطقة دون آخر أسير يتحرر من المعتقلات الإسرائيلية .
إن الفلسطينيين ينظرون إلى عملية تحرير الأسرى على أنها شمولية، علاوة على أنها أمر طبيعي لا يقوم على أية استثناءات أيا كانت وهي في العادة تتم بين كل الشعوب المتحاربة التي تجنح جنوحا حقيقيا للسلم فيما بينها. وهذه العملية ليست منحة أو مكرمة أو معروفا أو مجرد نوايا حسنة، بل يفترض بها أنها عملية تأسيس لسلام متبادل دائم وعادل يجني ثماره طرفا النزاع دون تمنن طرف على آخر.
إن آلاف الأسرى الفلسطينيين الذين هم خلف القضبان، ومنهم من هو في العقد الثالث من عمر أسره يشكلون معاناة مريرة متجددة على مدار الساعة واليوم والشهر والعام لأسرهم بخاصة وللشعب الفلسطيني بعامة جراء ظروف اعتقالهم التي أقل ما يقال فيها إنها لا تخضع لشروط اتفاقية جنيف الرابعة بشأن الأسرى.
 إنهم أسرى فلسطينيون، وليسوا سجناء عاديين. وليس لهم أية صفة أخرى سوى أنهم أسرى نضالات الشعب الفلسطيني. إنهم لم يقاوموا الإحتلال والإغتصاب إلا باسم فلسطين وباسم شعبها، وهو حق مشروع كفلته الشرائع السماوية والوضعية. ولا فرق بين أسير وأسير فكلهم أبناء فلسطين.
 أما المواصفات والمعايير والمسميات الإسرائيلية فهي تخص إسرائيل وحدها، وهي لا تتقاطع بأي شكل من الأشكال مع المواصفات والمعايير الخاصة بالعملية السلمية التي لا يضمن لها النجاح إلا على أرضية نظيفة من الأضغان والأحقاد والمواقف التعصبية. والفلسطينيون أخيرا لا آخرا ليسوا مهزومين حتى يقبلوا بشروط الآخرين وإملاءاتهم ومعاييرهم. ويظل السلام الحقيقي كفتي ميزان متعادلتين.   

 

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.