www.omferas.com
شبكة فرسان الثقافة

ليلة الميلاد… بقلم آرا سوفاليان

0

على غير المألوف بدأت الاستعدادات للذهاب إلى كنيسة الأرمن الكاثوليك في باب توما لحضور قداس منتصف الليل، ليل الجمعة 24/12/2010 وهو قداس ليلة الميلاد… على غير المألوف لأنه يفترض أننا كعائلة ننتمي إلى الكنيسة الأرمنية الأرثوذوكسية الشرقية وليس الكاثوليكية أما الذي حدث فهو التالي.

ليلة الميلاد… بقلم آرا  سوفاليان
على غير المألوف بدأت الاستعدادات للذهاب إلى  كنيسة الأرمن الكاثوليك في باب توما لحضور قداس منتصف الليل، ليل الجمعة 24/12/2010 وهو قداس ليلة الميلاد… على غير المألوف لأنه يفترض أننا كعائلة ننتمي إلى  الكنيسة الأرمنية  الأرثوذوكسية الشرقية وليس الكاثوليكية أما الذي حدث فهو التالي.


اتصلت بمنزل أخي فردت ابنته الصغيرة فسألتها عن والدها، فقالت لقد خرج للتو، سألتني هل ستحضرون اليوم؟ فقلت لها إلى  أين؟ قالت إلى  كنيسة الأرمن الكاثوليك، قلت لها سأسأل آني وكارني فإن رضيتا  فسنلتقي جميعاً هناك.
بالطبع إن شقيقي الأصغر وزوجته وأولاده ينتمون إلى  الكنيسة الأرثوذوكسية ولكن أولاده في نادي الكاثوليك وفي الكشاف وفي الكورال.
وبالنسبة لنا أنا وإخوتي فلقد تربينا في مدارس الكاثوليك وكنائسهم لأسباب لا مجال لذكرها في هذا المقام، وبالتالي فإن الأمر عادي بالنسبة لنا حيث لا يوجد فرق.
وذهبنا لحضور قداس عيد الميلاد في كنيسة الأرمن الكاثوليك ونحن أرمن أرثوذكس وعيد الميلاد عندنا بعد أسبوعين ويقع في 6 كانون الثاني 2011 ويأتي هذا الفرق نتيجة تبني الكنيسة الغربية للتقويم الغربي وتبني الكنيسة الشرقية للتقويم الشرقي بعد استحالة نجاح الاتفاق على إيجاد حل وسط يوفق بين الكنيستين دون استشارة الشعب ولا أخذ موافقته، وهذا محرج جداً أمام الغير ولأسباب معروفة.
وصلنا إلى  باب توما نريد المرور لنفاجأ برافعة تقطع الطريق بشكل عرضي  وتدفعنا كالعادة للذهاب إلى  مكان آخر لا نريده هذا الفلكلور الأزلي… عرقلة رهيبة لا نعرف تدبرها ولا نعرف أسبابها، وبيت القصيد هو تنزيل من في السيارة  قرب الكنيسة ولا مانع بعد ذلك من المغادرة لانتظار معجزة العثور على مكان نضع فيه السيارة والعودة، ولكن عبث فهذه هي الطريقة المتاحة للاحتفال بنا وبعيدنا!!!… ومضينا لنتدبر مكان نضع فيه سيارتنا دون فائدة والوقت يضيع وندور وندور لعل وعسى والنتيجة دوماً فعل الندامة!!! إلى  أن عثرنا على مكان يبعد مسيرة ربع ساعة عن الكنيسة، وهو خلف مجمع الزبلطاني الاستهلاكي ومن الداخل والمنطقة مقطوعة هناك وليس فيها الدومري!!!
ورفضت زوجتي النزول من السيارة والأطفال كذلك فلقد أخذ الرعب من قلوبهم الغضة كل مأخذ… وكان الوقت يمر والمكان قفر وغير مضاء واستطعت إقناعهم بأن مشكلتنا ستنتهي عند الوصول إلى  الشارع العام… وحاولنا البحث عن سيارة تكسي دون فائدة … لأنه حتى ولو نجحنا في الحصول على واحدة فإنها لن تفيدنا لأنها ستقف أيضاً وتعلق عند الحاجز!!!


ووصلنا بشق النفس ونحن نخترق الناس والزحمة بملابسنا الجديدة، وكنا نشعر بالأمن والأمان هذه النعمة التي لا تقدر بثمن في سوريا فلقد كان عدد رجال الأمن يساوي عدد المحتفلين والزائرين ويزيد.
في باحة الكنيسة استوقفني وعائلتي، صديق جاء أيضاً مع عائلته، ونظر إليَّ بدهشة ولسان حاله يقول: ما الذي أتى بك إلى  هنا وأنت من هناك؟؟؟ وسرّب تلميح بسيط يؤيد توقعي فأجبته: اعلم يا صديقي أنه في عيد الميلاد وفي غير عيد الميلاد كل كنائس الأرمن لنا… وفي الحقيقة فلقد وعدتُ ابنة أخي الصغيرة أن أحضر لرؤيتها هنا ومعي زوجتي وأولادي وكان ذلك… وحدثته عن أمر حدث لي في باحة هذه الكنيسة ومنذ 38 سنة ماضية وهو… أنني دخلت الكنيسة من بابها الرئيسي وأنا أريد الذهاب إلى  النادي الذي يقع في قبو المدرسة العائدة لها والتي تقع خلفها وهي مدرسة النور والمنار وكان اسمها قبل مصادرة المدارس الخاصة في العام 1967 آليشان وهو اسم شاعر وأديب أرمني… ولفت نظري علم الفاتيكان يرفرف فوق الباب الرئيسي لبناء المراسم الملحق بالكنيسة وأعلام غريبة أخرى فشلت في التعرف عليها كلها عدا علم الفاتيكان الذي كنت أحفظه بالصدفة… ومكثت في مكاني مشدوهاً أنظر إلى  هذه الأعلام الغريبة والمرفوعة بثقة على جدران بناء المراسم وعلى الباب الرئيسي للكنيسة… دون أن أفطن إلى  أية إجابة تبرر تساؤلي…
وفُتح باب بناية المراسم وخرج كاهن كاثوليكي أعرفه وتربطه بي صداقة سببها فرقة الكورال الكنسية والموسيقى فظن أنني جئت لحضور تدريبات الكورال العائد للكنيسة، في حين جئت أنا لحضور تمرينات فرقة الروك الموسيقية خاصتي حيث كنا نضع آلاتنا الموسيقية في النادي المتعلق من أجل التدريب.
اكتشف الكاهن الحقيقة ولم يعلق ولكن وجهه كان يرسم تعليقات كثيرة، وللخروج من هذه الأزمة سألته… لمن هذه الأعلام أيها المحترم؟ فأجابني هذا علم الفاتيكان وهذه أعلام كافة الكنائس المسيحية سألته: ولماذا يتم رفعها هنا في باحة الكنيسة؟ قال لي: هل حقاً لا تعرف؟


قلت: لا لا أعرف  قال: هذا أسبوع اتحاد الكنائس العالمية  سألته: وماذا تفعلون في هذا الأسبوع؟  قال: نصلي من أجل أن تتحد الكنائس المسيحية في كنيسة واحدة… قلت له: أيها المحترم إن اتحاد الكنائس وغير الكنائس لا يحتاج لصلاة، وإنما يحتاج إلى  أمرين أساسيين الأول مهم جداً والثاني قليل الأهمية… الأول هو موافقة رجال الدين فيما بينهم وهذا هو الأساس لأنهم هم القادة أو الزعماء في هذه المسألة والناس على دين ملوكهم، والثاني هو موافقة الرعية والرعية هم جموع المؤمنين وأنا واحد منهم وأستطيع تمثيلهم… فهؤلاء أيها المحترم لسان حالهم يقول نحن جميعاً متفقون وليست لدينا أية مشكلة فيما يتعلق بهذه الوحدة وهذا الاتحاد ونحن جميعا نبصم لكم بالعشرة وموافقون، والأمر في الحقيقة هو عندكم وبيدكم وليس عندنا ولا بيدنا.
وضحك صديقي وأيدني وكذلك زوجته… فقلت له ونحن ندخل الكنيسة: ها قد مضى على اللقاء الذي ذكرته لك 38 سنة وهم لم يتحدوا بعد ونحن ننتظر… وإلى  أن يتم شهر هذا الاتحاد فنحن ليست لدينا مشكلة وستبقى كل كنائس الأرمن ومعها كل كنائس العالم لنا.
في الكنيسة تذكرت طفولتي عندما كنت أقرأ الكتاب المقدس وأعمال الرسل في قداس الصغار ثم في قداس الكبار فلقد كان المونسينيور ادوارد كرديان وكان مطران الطائفة يقول لي: أنت الأرمني الوحيد الذي يقرأ الإنجيل بلغة عربية صافية وبدون أخطاء… وبالطبع فإن هذه الميزة أثقلت كاهلي فلقد كنت مجبراً على حضور قداس الصغار ثم قداس الكبار وعندما ينتهي القداس كنت أخرج لأرى أن أترابي قد عادوا إلى  بيوتهم منذ وقت طويل فلا أجد طفلاً واحداً لألعب معه وكان هذا في الأعوام 1965 ـ 1967
كان القداس رائعاً وفرقة الكورال الكنسية في أجمل صورها ـ لقد كان يمكن إطلاق لقب ملوك الهارموني على كافة عناصر الفرقة.
فرحت اليوم بعيد الميلاد الغربي كما لم يحدث من قبل وغادرنا الكنيسة في الثانية ومعنا شقيق وشقيقات زوجتي وعائلاتهم وأولادهم وطلبت مني زوجتي وهي أرمن كاثوليك طلبت مني أن يكون هذا القداس تقليد ملزم لعائلتنا الصغيرة في كل عيد ميلاد فوافقت لأننا سنربح عيدين بالتأكيد ولأنني ومنذ اللحظة سأعتبر نفسي أرمني كاثوليكي وأرثوذوكسي في آنٍ معاً.
ولأن العيد يفرض دوماً جوّ من المرح فلقد اكتشفنا أنه تم رفع الحواجز في الطرق المؤدية إلى  باب توما فصعدنا في سيارة تكسي مهلهلة، وعندما أغلقنا الأبواب سألني السائق: إلى  أين؟ فأجبته… إلى  حيث تقف سيارتنا… وضحكنا والسائق معنا… وقال لي: سأختار لك أجمل سيارة نعثر عليها في الطريق.
ودخلنا الربع الخالي نبحث عن سيارتنا وطلبت زوجتي من السائق أن يقترب من سيارتنا ليضع الباب على الباب فظن السائق أن هذا بسبب البرد دون أن يعرف أن هذا بسبب الخوف والأطفال كذلك.
وبعد التحمية وضعت المحرك على وضع القيادة وتحركت قليلاً إلى  الأمام وفتحت الأضواء فرأيت عامل نظافة متكوراً بسبب البرد … ونهض الرجل ليبعد عربته الأرجوانية معتقداً أنها تعيق تقدمي دون أن يعرف أن صغيرتي آني طلبت مني الاقتراب منه… فاقتربت وخاف الرجل… وتناهى إلى  سمعي صوت صغيرتي آني التي تجلس خلفي وهي تطلب مني أن أعطيها مصاري ويدها اليسرى تضغط على مفتاح النافذة والهواء البارد يتسرب إلى  الداخل… فسألتها حديد أم ورق؟ فقالت: ورق… فأعطيتها … فأعادتها قائلة… أكبر فهذه لا تكفي … وتناهى إليَّ صوتها الرقيق تسلم على الرجل بعبارة (مرحباً عمّو… تفضل) وانطلقنا والرجل يدعوا لنا وآني تقول:  هذا أجمل عمل قمت به هذا اليوم… لأن هذا الرجل الختيار يرتجف من البرد ولا بد أنه يحتاج لأن يعمل حتى يأكل… بدلاً من أن يكون أمام أحفاده وقرب المدفأة يحتفل بعيد الميلاد…هذه ربما تقنعه بالعودة إلى البيت.
هذا اليوم الرائع وهذه الليلة المقدسة تحمل لعائلتنا الصغيرة كل العبر… وفي طريق العودة إلى  البيت كنت أحكي لأطفالي قصة الميلاد وأن يسوع ولد في مزود ليعلمنا التواضع والرحمة.
آرا  سوفاليان
دمشق في 25/11/2010
Ara  Souvalian
arasouvalian@gmail.com

 

 

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.