www.omferas.com
شبكة فرسان الثقافة

الله لا يوفقك… بقلم آرا سوفاليان

0

الله لا يوفقك…صرخة بصوت عال سمعتها وأنا شارد مقابل الشاشة التي تحوي معادلات لأرقام منتجات زرع الأسنان والتوجيهات التي تتفرع عنها عند دراسة حالة، واكتشفت أنني الآن في حد الإشباع وقد توقف تفكيري، ويجب ترك الكومبيوتر عند هذه النقطة تحت طائلة العودة إلى نقطة البداية أو ارتكاب خطأ فادح. وجاءت هذه الصرخة لتحسم الموضوع فنهضت وتوجهت مسرعاً إلى البلكون، وكانت صغيرتي آني قد وقفت تنظر إلى الشارع وهي تهدد وتتوعد!

الله لا يوفقك… بقلم آرا  سوفاليان
الله لا يوفقك…صرخة بصوت عال سمعتها وأنا شارد مقابل الشاشة التي تحوي معادلات لأرقام منتجات زرع الأسنان والتوجيهات التي تتفرع عنها عند دراسة حالة، واكتشفت أنني الآن في حد الإشباع وقد توقف تفكيري،  ويجب ترك الكومبيوتر عند هذه النقطة تحت طائلة العودة إلى  نقطة البداية أو ارتكاب خطأ فادح.
وجاءت هذه الصرخة لتحسم الموضوع فنهضت وتوجهت مسرعاً إلى البلكون، وكانت صغيرتي آني قد وقفت تنظر إلى  الشارع وهي تهدد وتتوعد!
ـ ماذا حدث؟ هل هناك من يؤذي السيارة؟
ـ لا لا …. لقد عاد الرجل وسيضرب الأولاد من جديد!
ونظرت إلى الشارع ورأيت الرجل والأولاد وتذكرت المشهد الذي رأيناه منذ أسبوع مضى وكنا نستعد للذهاب إلى المسبح ونضع الأغراض في صندوق السيارة، عندما انهال نفس الرجل بالضرب على ولد يحمل بيده اليمنى قطع الموكيت (الدعّاسات) التي توضع أمام أبواب البيوت، وبيده اليسرى مماسح أرض وأشياء أخرى، وعلى ظهره تله من علب المناديل الورقية.
وكان نفس الولد الذي اشترينا منه قطعة الموكيت بناء على طلب الصغيرتين، يتلقى الصفع على الوجه والرفس بالقدمين وهو ينوء بحمله، ونهرت الرجل يومها فقال لي: لا علاقة لك بيني وبين ابني فأرجو أن لا تتدخل فيما لا يعنيك!
ومضينا إلى  المسبح وفي الطريق قالت لي صغيرتي:
ـ هذا الرجل يكذب لأن هؤلاء ليسوا أولاده!
ـ ماذا تقصدين بهؤلاء؟
ـ لقد كانوا خمسة أولاد يوزع عليهم أماكن العمل فيخصص بناية لكل ولد وعندما ينتهي الولد من تمشيط البناية يعود ويعطي المال للرجل، وقد رأيناه يضرب ولداً آخر بالعصا على رأسه!
ـ لماذا لم تضربه يا أبي؟
ـ ليس من شأني تأديب الناس فهذا الرجل رئيس أو عضو في عصابة لتشغيل القصَّر، يستغل الناس الذين يشفقوا على الأطفال فيشترون منهم وقد انخدعتم أنت وشقيقتك واشتريتم من الطفل الذي أكل القتلة، شيء لا يساوي قيمة ما دفعتم؟
ـ طيب لا نريد أن تضربه ولكن لماذا لم تتصل بالشرطة؟
ـ من أجل موضوع أهم من هذا بألف مرة فإن الشرطة لن تحضر!
ـ لماذا؟
ـ لأن أفرادها منشغلين بأمور أخرى هي من وجهة نظرهم أهم بكثير…لأنها تؤدي قسراً إلى تحسين رواتبهم ورفع مستواهم المعيشي!
ـ هل هناك أمور أهم من ضرب الأولاد بالعصا وعلى الرأس؟
ـ نعم وواقعنا التعس يبرهن على ذلك.
إذاً… فلقد عاد نفس الرجل ومعه نفس الطاقم من الأولاد يوزعهم على البنايات ويجلس على الرصيف ينتظر ثمرة شقائهم… قلت لصغيرتي، تعالي إلى  الداخل يا حبيبتي فهناك حلّ أفضل من الصراخ عن بعد … قالت: وما هو؟ … قلت: التعطيل المؤقت للأنترفون والإيعاز إلى أهل البناية بأن لا يشتروا من الطفل أي شيء إن هو تمكن من الدخول.
نعم نعم نسيت انك رئيس لجنة البناية وأن المركزي هو عندنا… حسناً تعالي ندخل الكود ثم نتحدث مع الجيران.
اضطر الطفل إلى  قرع 16 جرس دون فائدة، وانتظر طويلاً لعله يدخل البناية بمعية أحد الداخلين، ولكن حظ التعس تعس، ولولا أن حظه تعس لما وقع في يد من وقع في يده.
وخرجنا إلى البلكون نراقب فرأينا الطفل قد غادر المكان واتجه إلى  رئيسه وهو يرتعد خوفاً من صفعة أو رفسة حافر، وأخبره بأنه لم يتمكن من الصعود إلى  البناية، فتوجه كلاهما نحو مدخل البناية، واصطادنا الرجل لأننا كنا نقف على البلكون أنا وصغيرتي، فرفع يده بالتحية وقال لي: أرجو أن تفتح لنا الباب!
وكان نفس الرجل ونفس النظرة، نظرة المستذئب التي ارتسمت على ملامحه، في الأسبوع الماضي، عندما قال لي: لا علاقة لك بيني وبين ابني فأرجو أن لا تتدخل فيما لا يعنيك!
قلت له: لا أريد أن أفتح لك… فقال لي لماذا؟ قلت له: لأن هذا الذي تضربه إن فشل في استغلال عاطفة الناس هو ابني وأنت لا علاقة لك بيني وبين ابني فأرجو أن لا تتدخل فيما لا يعنيك!
ونظر الرجل باتجاهي نظرة المذهول ولا بد أنه تذكرني لأني حملتها له أسبوع وأعدتها مع خالص الشكر… وقلت له متابعاً: الرجل أو الأب الذي يملك ذرة كرامة لا يجلس على الرصيف مرتاحاً ويعرّض أولاده للعتالة وللعذاب والمهانة والتسول، ويأخذ حصيلة جهدهم ويضربهم بعد ذلك إلاّ إذا كانوا أولاد غيره! أنصحك بمغادرة المكان لأني سأتصل بالشرطة إن لم تفعل.
وخاف المستذئب ووضع أصابعه في فمه وأطلق صافرة يبدوا أنها إشارة لجمع الأولاد، أما صغيرتي التي ترسملت وهي تقف بجانب والدها أشارت إلى  الرجل وصاحت به قائلة: ما أنت إلا رجل شرير رئيس عصابة تضرب الأولاد الصغار… إن عدت إلى  هنا سأطلب من والدي أن يضربك.
تعالي يا حبيبتي لندخل إلى المنزل… بابا … نعم يا حبيبتي … أريد أن أشكر الله على نعمه فأنا لي أب وأم، ولو أن لهؤلاء الأولاد أب وأم لما حدث لهم ما يحدث لهم الآن … نعم يا حبيبتي ليس لهؤلاء أب ولا أم ولا دولة تحميهم ولا جمعية ولا مؤسسة تهتم بهم وتشفق على طفولتهم.
 شكراً لله على نعمه، فلقد منحني أب مثلك وأم مثل أمي، وسأصلي إلى الباري تعالى لتبقوا لي.
Ara  Souvalian
arasouvalian@gmail.com

 

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.