www.omferas.com
شبكة فرسان الثقافة

أسئلة العبارة مجددًا – فهمي هويدي

0

لو أن كارثة عبارة الموت التي غرق فيها أكثر من ألف مواطن مصري وقعت في كوريا، ماذا كان سيحدث؟ عندي سببان لطرح السؤال. أحدهما مصري والثاني كوري.

 

صحيفة السبيل الأردنيه الخميس 15 جمادى الأولى 1431 – 29 أبريل 2010
أسئلة العبارة مجددًا – فهمي هويدي
http://fahmyhoweidy.blogspot.com/2010/04/blog-post_28.html
 
لو أن كارثة عبارة الموت التي غرق فيها أكثر من ألف مواطن مصري وقعت في كوريا، ماذا كان سيحدث؟
عندي سببان لطرح السؤال.
أحدهما مصري والثاني كوري.

السبب المصري أن محكمة القضاء الإداري في القاهرة أصدرت هذا الأسبوع (في 21/4) أحكاما بمعاقبة 58 موظفا من موظفي الحكومة ذوي الصلة بالموضوع، الذين اتهموا بالتقصير والإهمال في عملهم، حين سمحوا بتشغيل السفينة رغم افتقادها لشروط السلامة المقررة، مما أدى إلى غرقها. قامت المحكمة بما عليها فأنزلت مجموعة من العقوبات التأديبية بأولئك الموظفين، تراوحت بين الفصل إلى التقاعد والإيقاف المؤقت..إلخ.

هذا الحكم جدد اللغط وأحيا الأسئلة الحائرة المثارة بشأن الكارثة، التي يمثل بعضها ألغازا لا تكاد تجد تفسيرا مقنعا أو مطمئنا.
 أهم الألغاز تلك التي تتعلق بملابسات تفتيت القضية والتهوين من شأنها. ذلك أنه ما كان يمكن أن يخطر على بال أحد أن تحول جريمة بهذا الحجم الكارثي إلى «جنحة» تعرض على محكمة الغردقة، وتكون التهمة الموجهة إلى ملاك السفينة وقبطانها هي الإهمال في التبليغ عن غرقها. ثم يقدم موظفو الموانئ ورجال السلامة البحرية إلى محكمة تأديبية بتهمة التقصير، وتلك عناصر لو جمعت في قضية واحدة لشكلت جناية من العيار الثقيل.

تفتيت القضية ليس الملاحظة الوحيدة، ولكن التراخي فى التعامل معها كان مصدرا آخر للغلط والأسئلة الحائرة. بدءا بالانتظار لأكثر من خمسة أسابيع لإصدار قرار منع مالك السفينة والمسئول الأول عن الكارثة من السفر، بعدما تمكن الرجل من ترتيب أموره ومغادرة البلاد هو وأسرته بأمان.
ومرورا بإصدار الحكم في الجنحة بعد مضي 3 سنوات على غرق السفينة،
وانتهاء بإصدار المحكمة التأديبية جزاءاتها بعد مضي 4 سنوات،
وهو ما أشاع انطباعا بأن القضية لم تتعرض فقط للتفتيت، ولكنها تعرضت أيضا «للتبديد» الذي عول على تهدئة الخواطر والمراهنة على الزمن في امتصاص سخط الأهالي والرأي العام.

فضلا عما سبق فثمة أسئلة عديدة لا تزال مثارة حول مصير تقرير لجنة تقصي الحقائق التي شكلها مجلس الشعب برئاسة السيد حمدي الطحان. وهو التقرير الذي تعرض للتسويف في إعداده، ثم دفن فور عرضه على المجلس، وتم تجاهل النتائج التي توصل إليها، وفي مقدمتها ثبوت التقصير في عملية البحث والإنقاذ.

(طائرات البحث وصلت إلى موقع الباخرة بعد نحو 8 ساعات من تلقي الاستغاثة الأولى إلى الجهة المعنية في مصر، أما سفن الإنقاذ، فقد وصلت بعد 12 ساعة).
وهو تقصير أدى إلى زيادة أعداد الغرقى، ولم يحاسب عليه أحد. لأن ذلك يمس أناسا فوق الحساب!
ذلك فيما خص الجانب المصري.

أما سبب إقحام كوريا في الموضوع، فقد فرضته الأخبار القادمة من سيول. إذ تحدثت عن فجيعة مماثلة، وقعت في أواخر مارس الماضي، حين غرقت سفينة كورية جنوبية عليها 46 بحارا بالقرب من خط الحدود مع كوريا الشمالية -وهو ما أحدث صدمة لدى الرأي العام، ودفع الحكومة إلى استنفار الخبراء المحليين واستدعاء الخبراء الدوليين لتحرى أسباب الغرق،
ومع بداية التحقيق ظهر الرئيس الكوري الجنوبي لي ميونج باك على شاشة التليفزيون مرتديا ثياب الحداد السوداء ليعبر عن حزنه ومواساته لشعبه المفجوع.

وتلا بصوت متهدج بيانا مكتوبا، لكنه لم يتمالك نفسه حين بدأ في قراءة أسماء المواطنين الذين غرقوا. فانفجر باكيا، ورآه الجميع وهو يذرف الدمع ويكفكفه، فبكت كوريا كلها معه، وغرق البلد في بحر من الدموع.

اختلط لدى الحزن بالحسرة حين وقعت على القصة في جريدة الأهرام، في ثنايا تعليق لزميلنا الأستاذ كمال جاب الله الخبير في الشئون الآسيوية، ليس فقط تأثرا بموقف الرئيس الكوري،
ولكن أيضا لأنني تذكرت أن مسئولينا حرصوا على متابعة مباراة كأس أفريقيا في كرة القدم، مباشرة بعد غرق العبارة في البحر الأحمر،
 
انتابني الشعور بالحسرة حين قارنت بين المشهدين، ووجدت أنهما يجسدان الفرق بين نظام لا يحتاج للناس في وجوده واستمراره، وآخر يستمد شرعيته من قبول الناس ورضاهم.
……………………

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.