www.omferas.com
شبكة فرسان الثقافة

الاحتباس الفكري ومطر الإبداع/بقلم/ سامي عبد الرؤوف عكيلة

0

بالنظر إلى جميع أنواع الاحتباسات في الكرة الأرضية, لن تجد أخطر ولا أنكى من الاحتباس الفكري, لأن هذا النوع هو المسبب لمثيله من الاحتباسات في الكون والتي من أهونها الاحتباس الحراري.

مراجعات
الاحتباس الفكري ومطر الإبداع
بقلم/ سامي عبد الرؤوف عكيلة
بالنظر إلى جميع أنواع الاحتباسات في الكرة الأرضية, لن تجد أخطر ولا أنكى من الاحتباس الفكري, لأن هذا النوع هو المسبب لمثيله من الاحتباسات في الكون والتي من أهونها الاحتباس الحراري.
حينما عالج المسيح المرضى من بني (إسرائيل) أيام السبت احتج عليه حاخامات زمانه, رافعين شعار “الدفاع عن الشريعة”, وفي وجه من؟! في وجه عيسى عليه السلام، أجابهم عليه السلام قائلا: ويحكم لو كان لأحدكم خروف ووقع في حفرة في يوم السبت, ألا يخرجه منها؟! قالوا بلا يخرجه منها, فقال عليه السلام مقولته العظيمة: هل جُعل السبت من أجل الإنسان أم جُعل الإنسان من أجل السبت؟!
تشهد المياه العربية ركوداً عظيماً منذ قرون مضت, وظلت كذلك، ليس ثمة مجتهد أو مبدع جريء يلقي حجراً فيها, اختلطت الأهداف بالغايات, واستغرقت العقول في منهج القياس متجاهلة منهج الاستقراء, وأصبح كثير من الموروثات البشرية الماضية ذات قداسة فلا يجوز تعديلها أو حتى نقاشها, وكأن السلف الذين اعملوا عقولهم وراعوا واقعهم ومصالح أهليهم بدعاً من الرسل عقمت الأمة أن تلد أشباههم!
والاحتباس الفكري في الأمة الإسلامية، ساهم في رفع درجات الحرارة في أحزابها وحكوماتها ومؤسساتها ومرافقها العامة والخاصة, وهي حرارة أصابت الأمة بالحمى والتي من أعراضها:
أولاً/ قتل روح الإبداع والتجديد والتغيير في الأمة ومحاربة كل من تحدثه نفسه بذلك بتهمة التمرد ومحاولة الانقلاب على النظم الحاكمة أو على أقل تقدير التآمر مع جهات أجنبية ضد الأمن القومي.
ثانياً/ التعصب الحزبي الأعمى وتقديس الشخصيات وأفكارها على صعيد الحزب والحكومة والعائلة والمؤسسة.
ثالثاً/ رفع مستوى التطرف والتشدد المؤديين إلى ما يسمى بالإرهاب كأسلوب سلبي للتفريغ النفسي والتعبير عن الذات.
رابعاً/ التخلُّف المدني والحضاري والإنساني واللجوء إلى التقليد الإمعي وتنامي عقدة الأجنبي في نفوس الأجيال.
خامساً/ التعرض لمحاولات الاستغلال والتدخل الأجنبي في الشئون الداخلية للأمة تحت عناوين الحرية والديمقراطية وحقوق الانسان وحرية التفكير والإبداع ..  وما هنالك من السلع التي تبيعها علينا الأمم وشذاذ الآفاق في العالم.
سادساً/ الغرور والانكفاء على الذات وعدم القدرة على الاعتراف بالخلل أو النقص أو حتى الحاجة للتعلم, ونصبح كما يقول الفيلسوف “غوبرت”: إن الذين لا يتراجعون عن أفكارهم أبدا, يحبون أفكارهم أكثر مما يحبون الحقائق.
أزمة الاحتباس الفكري في الأمة ليس لها أي أصل بيولوجي أو فسيولوجي إطلاقاً, بل هي نتاج مشروع تعطيل وتجميد للخلايا الدماغية البشرية التي خلقها الله لوظيفة التفكير والسباحة في بحار الابداع, ولقد سُئل العالم البيولوجي (جان روستان): هل صحيح أن الدماغ البشري يحتوي على 12 مليار خلية؟، فأجاب: “هذا صحيح, ولكن البطالة مازالت ضاربة أطنابها في هذه الخلايا”.
يحكى أن متفزلكين في قبيلة من الهنود الحمر، كان من عادتهم الرقص لكي ينزل عليهم المطر، وفي ذات يوم طلبت قبيلة مجاورة _مصابة بالاحتباس الفكري _ من خبراء القبيلة الأولى أن يقوموا بطقوسهم لكي تمطر على قبيلتهم، ففعلوا ونزل المطر.
زعيم القبيلة ذهب إلى مسؤول فرقة الرقص وسأله عن سر الطقوس، لماذا تمطر السماء عندما ترقصون؟! أجابه: “السماء لا تمطر لأننا نرقص، بل نحن نظل نرقص حتى تمطر”.
والقبيلة العربية المصابة بالاحتباس الفكري والتي تريد أن تتعلم أصول الرقص من القبيلة الغربية لتنزل عليها أمطار التغيير، لن تفلح في استنزال المطر, فكما أن الاحتباس الحراري يمنع المطر, فإن الاحتباس الفكري يمنع الابداع والتغيير..
presstody@yahoo.com

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.