www.omferas.com
شبكة فرسان الثقافة

العلمانوفوبيا/نضال نعيسة

0

الحلف التاريخي بين الديني والسياسي في المنطقة، متداخل إلى حد كبير، ومتشابك، بحيث يصعب في كثير من الأحيان فصل الديني عن السياسي، والسياسي عن الديني، والزعيم السياسي عموماُ، في هذه المنظومة، هو زعيم ديني، بنفس الوقت، والعكس صحيح، ( وألقاب مثل خادم الحرمين، أمير المؤمنين، خليفة المسلمين، ولي الأمر، الإمام، الولي الفقيه….هي شائعة على نحو كبير)، وفي أحيان كثيرة لا يـُعلم من هو رهن الآخر، هل الديني هو رهن السياسي أم السياسي هو رهن الديني؟ غير أن الحقيقة الثابتة، أن سقوط أحدهما، سيؤدي ولاشك لسقوط واندحار الآخر، ومن هنا يأتي هذا التعاضد القوي بينهما جراء إدراك هذه الحقيقة، ولذلك أيضاً فأن الأحزاب والجماعات الدينوسياسية، والسياسو-دينية (كالأحزاب القومية)،

رابط النشر في الحوار المتمدن:
 
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=195637
 
العلمانوفوبيا
 
نضال نعيسة
 
الحلف التاريخي بين الديني والسياسي في المنطقة، متداخل إلى حد كبير، ومتشابك، بحيث يصعب في كثير من الأحيان فصل الديني عن السياسي، والسياسي عن الديني، والزعيم السياسي عموماُ، في هذه المنظومة، هو زعيم ديني، بنفس الوقت، والعكس صحيح، ( وألقاب مثل خادم الحرمين، أمير المؤمنين، خليفة المسلمين، ولي الأمر، الإمام، الولي الفقيه….هي شائعة على نحو كبير)، وفي أحيان كثيرة لا يـُعلم من هو رهن الآخر، هل الديني هو رهن السياسي أم السياسي هو رهن الديني؟ غير أن الحقيقة الثابتة، أن سقوط أحدهما، سيؤدي ولاشك لسقوط واندحار الآخر، ومن هنا يأتي هذا التعاضد القوي بينهما جراء إدراك هذه الحقيقة، ولذلك أيضاً فأن الأحزاب والجماعات الدينوسياسية، والسياسو-دينية (كالأحزاب القومية)، هي الأقوى على السطح ولها القول الفصل. ويتبدى هذا الحلف، على نحو دائم، بأشكال وتمظهرات مختلفة، تؤكد في كل مرة خضوع السياسي للديني، أو السياسي للديني تحقيقاً لمصلحة أحد الطرفين، وحسب كل ظرف، تلك المصلحة التي هي واحدة في النهاية، وهي  إدامة الظلام والتردي والاستبداد. ولعل في منع الكاتب والمفكر المصري نصر حامد أبو زيد، من دخول الكويت ، بعد إصدار تأشيرة رسمية، وذلك لإلقاء محاضرتين الأولى حول الإصلاح الدستوري، والثانية عن المرأة. يومي 16 و 17 من الشهر الجاري. لقد أفلح التيار السلفي المهيمن بقوة على الحياة السياسية في الكويت من إجبار السلطات على منع أبو زيد من الدخول، رغم إصدار التأشيرة المسبق، ما يعد تراجعاً حكومياً أمام الضغط الظلامي، وانصياعاً له، ورغبة في تأكيد الحلف التاريخي، واستمرار “التعاون والتنسيق” المشترك بين الجهتين السياسية والدينية.
 
 وما حدث، أيضاً،  لكاتب هذه السطور في أكثر من مطار مما يسمى بالعربي، ووجوده على قوائم المنع “السوداء” في عموم المنظومة البدوية، ما هو إلا وسام فخر وشرف، له، ولكل يبرؤه تاريخياً من الانخراط، و”التسهيل” للفكر الغيبي والأسطوري، ويعطيه صك براءة تاريخية من المذبحة الفكرية الجارية على قدم وساق، في عموم الإقليم،  والتي تستهدف العقل والإنسان.
 
وطبعاً هذا الإجراء ليس وحيداً أو يتيماً، ولا يشكل سابقة في تعاطي معظم دول هذه المنظومة الأبوية القرووسطية، مع أصحاب التيار العلماني والتنويري، بل هو ممارسة منهجية تستهدف رموز التنوير لمنع قبسات التنوير والعلمنة من اختراق الحصون الأبوية الظلامية الشاهقة والتغلغل فيها. لكن، وبغض النظر عن هذا الإجراء ومفاعيله، وتداعياته، فإنه يظهر، وعلى عكس الخطاب الصحوي، خوفاً، ورعباً حقيقيين من التيار التنويري ورموزه وكل من يلوذ به. فالفكر الأسطوري، والغيبي، القائم على التسليم وإبطال مفعول العقل، والمسلمات التي لا تـُناقش، هو من الهشاشة والضعف والسطحية بحيث لا يصمد أمام منطق وقوة الفكر التنويري، وينهزم أمامه في أول مواجهة، أو بالأحرى لا يقوى على مواجهته، فالكويت حكومة وتياراً ظلامياً ارتعدت من مجرد محاضرة، وشخص مثل أبي زيد، ومن دون أن يطلق رصاصة واحدة، وكل أسلحته هي مجرد أفكار، قادر على استنفار بلد بأمنه وعساكره وضباطه وشيوخه. وهذا المنع، والإجراء الكويتي  “الصغير”، بكل شيء، هو، ولا شك، وسام فخر واعتزاز لأبي زيد، وهزيمة، أخرى، وليس نصراً، بأي حال، لأصحاب تيار التعتيم والظلام.
 
ولا نجد مبرراً لهذا الهلع الزائد والرعب الكبير من “مجرد” شخصية كأبي زيد، رغم وجود جيوش جرارة من الفقهاء والشيوخ والوعاظ على الجاني الآخر، إلا إذا كان هذا الجانب ر ينطوي على ضعف بنيوي وفكري واضح وخائف على نفسه. وإذا كان الفكر الديني على تلك الدرجة من القوة والثقة بالنفس، كما يروج له، فلماذا يخاف على نفسه من مجرد محاضرة، ومحاضر بحيث يستنفر التيار بقضه وقضيضه لإجراء المنع؟
 
غير أن السؤال الأهم والأقوى، وفي ظل هذه الثورة المعلوماتية الهائلة التي يشهدها العالم، وسقوط وانهيار الحواجز، هل ستستطيع حكومة الكويت، وحكومات المنظومات البدوية القروسطية، من منع أفكار أبي زيد وغيره من الدخول والنفاذ إلى عمق هذه المجتمعات؟ وإذا منع أبو زيد بشخصه ألم تسبقه سمعته وفكره، ودخلت قلوب وعقول كثير من الكويتيين، والدليل ردة الفعل العنيفة؟ وإلى متى سيستمر الاعتقاد بإمكانية نجاعة ونجاح مثل هذه الإجراءات، ألم تهزم معاقل الظلام على مر التاريخ أمام قبسات الحرية والأنوار؟ وهل منع دخول الأشخاص سعني منع دخول الأفكار؟
 
في الحقيقة إن جميع ردود الأفعال العنيفة تلك، التي يتخذها أصحاب التيار الظلامي، فيما يعتقدونه تهديداً لوجودهم وفكرهم،  لا يعكس في الواقع إلا نوعاً من العلمانوفوبيا، أو الرعب من العلمانية، التي تعني فيما تعنييه، تحييد الفكر الديني، وإبعاده عن المجال السياسي، وإبقائه في محاريب الصوامع والتعبد، والقطع من حقب الخلط، وفك عرى تلاحمه مع السياسي، الذي هو الأقوى في المنظومة الدينية الشرق أوسطية. 
 
العلمانوفوبيا، أو الخوف من العلمانية، هو أمر واقع في هذه المنظومة، ليس خوفاً على الدين، كلا وحاشى، ولكنه خوف من نهاية حقب تبادل المصالح والمنافع بين الديني، والسياسي، واستغلال أحدهما، لخدمة الآخر. وما يحدث في الكويت، وفي غيرها من ردود أفعال عنيفة وهيستيرية حيال كل ما يتعلق بفسخ التحالف العضوي بين الديني والسياسي، ما هو سوى علمانوفوبيا ليس إلا.
 
 
Best Regards
Nedal Naisseh
http://www.ahewar.org/m.asp?i=566
 
 
 
 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.