عزاء الحجى والألمعية والنبل
عزاء الحجى والألمعية والنبل | ففي كلها كنت امرءا فاقد المثل |
توليت يا علامة الشرق فالأسى | إلى الغرب ممتد السحابة والظل |
سلام على الفرد الذي في خصاله | تلاقت خلال الخير مجموعة الشمل |
سلام على ذاك الذكاء الذي خبا | وذاك المحيا السمح غيب في الرمل |
سلام على ذاك الفؤاد الذي سلا | وما كان إلا بالمحامد في شغل |
سلام على الآداب أجمل ما بدت | لنا في الفتى غض الإهاب وفي الكهل |
سلام على الأخلاق ريضت وهذبت | فلم يعتورها النقش بالقول والفعل |
سلام على أصفى الرجال مودة | وأبرئهم نفسا من الحقد والغل |
إذا ما قضى يعقوب صروف نحبه | فمهما تجلي يا صروف النوى جلي |
تداعى بناء المجد في عالم النهى | ونكبت الأعلام في دولة الفضل |
ففي مصر جرح من مفاجأة النوى | ثخين وفي لبنان برح من الثكل |
وفي كل أفق ينطق الضاد أهله | غمائم أجفان مردده الهطل |
ومن عجب أن الأولى فاز دونهم | بخصل العلى يبكون من فاز بالخصل |
فواحربا أن تختم اليوم حقبة | فككت بها الأعناق من ربقة الجهل |
وهيأت فتيانا يديلون للحمى | إباء وعزا من هوان ومن ذل |
تجشمت ما تنبو بأيسره القوى | ولم يك ما تبغيه بالمطلب السهل |
فأطلقت في خمس وخمسين حجة | منائر للعرفان هادية السبل |
أرتنا وجوه الحق في كل معضل | ومن دونها الأستار محكمة السبل |
فلم يخف سر النجم في حبك الدجى | ولم يخف كنه النجم يكتن في الحقل |
إذا الشهر ولى أقبل الشهر بعده | بسفر جديد البحث في الفصل فالفصل |
كتاب يليه صنوه ويتمه | كعقد نظيم من فرائد تستتلي |
وفي كل جزء منه يدرك ذو النهى | مدارك لم تخطر على القلب من قبل |
صحائف أوعت من بيان وحكمة | جنى العقل في أطواره وجنى النفل |
تدفق منها العلم في كل مطلب | بأبلغ ما يوحي وأفصح ما يملي |
أنرت بها الأذهان أي إنارة | مفرقة بين الحقيقة والبطل |
فيا للمعاني من بديع ورائع | ويا للمباني من رفيق ومن جزل |
ويا لمعين الفكر ليس بناضب | ويا لصحيح اللفظ ليس بمعتل |
كما كنت يا يعقوب فليكن الذي | يجد فلا يلوي بلهو ولا هزل |
ويؤثر من دون المسالك مسلكا | يجانب أسباب الملامة والعذل |
وينشد غايات الكمال مثابرا | على ما تمر الحادثات وما تحلي |
صبورا على ما يستفز من الأذى | يرى الحزم عقباه أشفى من الجهل |
عليما بأن المرء في الدهر ظاعن | يقيم إلى حين وفي عقبه يجلي |
وفيا لمن والى وشارك ثابتا | على العهد في خصب الحياة في المحل |
أرى اليوم في ذكراه آخر صورة | لفان قويم العطف مزدهر الشكل |
علا تبر فوديه لجين مشيبه | سوى لمعات مومئات إلى الأصل |
بمسمعه عن قالة السوء نبوة | ويرهفه ما شاء للحق والعدل |
وفي نفسه للأريحية هزة | ترى إثرها في وجهه حين تستجلي |
وفي طيب الرزق الذي هو كاسب | زكاتان من لطف الإشارة والبذل |
تقسم بين النفع للناس قلبه | وبين جميل البر بالصحب والأهل |
وأوتي حظا في بنيه زووجه | كريما على قدر المروءة والعقل |
فما مثله بين الأبوة من أب | وما مثله بين البعولة من بعل |
وما في النساء الفضليات كزوجه | ولا كبنيه الغر في صالح النسل |
جزاه بما أهدى من الخير ربه | وعوضنا من ذلك الليث بالشبل |