www.omferas.com
شبكة فرسان الثقافة

إشكالية غموض مفردات الخطاب السياسي والإعلامي الفلسطيني/أ.د. محمد اسحق الريفي

0

يتضمن الخطاب السياسي والإعلامي الفلسطيني مفردات غامضة تأتي في سياق المناكفة السياسية الناتجة عن الصراع السياسي والاستقطاب الحزبي اللذان تشهدهما الساحة الفلسطينية، ويترك لوعي المواطن تحليل هذه المفردات والتعاطي معها وفق اعتبارات حزبية، ما يعيق بناء رأي عام فلسطيني إيجابي ومؤثر.

إشكالية غموض مفردات الخطاب السياسي والإعلامي الفلسطيني
أ.د. محمد اسحق الريفي

يتضمن الخطاب السياسي والإعلامي الفلسطيني مفردات غامضة تأتي في سياق المناكفة السياسية الناتجة عن الصراع السياسي والاستقطاب الحزبي اللذان تشهدهما الساحة الفلسطينية، ويترك لوعي المواطن تحليل هذه المفردات والتعاطي معها وفق اعتبارات حزبية، ما يعيق بناء رأي عام فلسطيني إيجابي ومؤثر.

يكثر الإعلاميون والسياسيون والكتَّاب الفلسطينيون من استخدام مصطلحات ومفردات مبهمة في خطابهم السياسي والإعلامي، تجاوزاً لصعوبة وصف الحالة الفلسطينية الراهنة المعقدة وتطورات القضية الفلسطينية بدقة وموضوعية ومنهجية، وتجنباً للوقوع في أخطاء التعميم والتخصيص والتسطيح والاختزال والتقزيم، وتخفيفاً من مستوى التوتر الداخلي في المجتمع الفلسطيني، ومداهنة لقوى محلية وإقليمية وعالمية معادية، وتأخيراً لمرحلة حاسمة وخطيرة من الصراع السياسي بين الأحزاب السياسية الفلسطينية، وتجنباً لانعكاسات ذلك على المجتمع الفلسطيني والقضية الفلسطينية.

ففي كثير من الأحيان، يصعب استخدام مصطلحات سياسية قطعية الوصف والدلالة للتعاطي مع الخارطة السياسية الفلسطينية وحالة الصراع الداخلي الذي يعيشه الشعب الفلسطيني بألم ومرارة.  ويصعب أيضاً إيجاد مفردات سياسية دقيقة لوصف مواقف الأطراف المتصارعة وممارساتها وانتماءاتها وولاءاتها، ولا سيما في سياق صراع الأجندات السياسية التي تفرضها ولاءات وتحالفات إقليمية وعالمية، والتي تعكس الاعتبارات الأيديولوجية والحسابات الحزبية للأطراف المتنازعة على النفوذ والسلطة.

لا يمكن حسم دلالات تلك المفردات والمصطلحات الغامضة إلا داخل عقول المتلقين لها، حيث يتم معالجتها وفق الاعتبارات الوجدانية والحزبية والأيديولوجية للمتلقي نفسه، في هامش يضيق أو يتسع تبعاً لخصائص المتلقي واعتباراته، لتسفر في نهاية المطاف عن آراء واتجاهات ومواقف سياسية مختلفة باختلاف وعي المتلقي وانتمائه ووجدانه لحد التناقض في أحيان كثيرة.  وهنا يأتي دور الوعي السياسي في التعاطي مع تلك المفردات والمصطلحات والتعبيرات، واستخدامها في تحقيق أهداف الخطاب السياسي والإعلامي، وبناء رأي عام محلي فاعل وإيجابي، بعيداً عن المناكفة السياسية وما تسببه من إهدار للطاقات وتبديد للوقت وتراكم للأحقاد وتوتير للعلاقات الفردية والحزبية على حد سواء.

من المصطلحات المبهمة التي يكثر استخدامها في الخطاب السياسي والإعلامي الفلسطيني: الانقسام الداخلي، التعاون الأمني، فريق التسوية، فريق أوسلو، المصالحة الوطنية، الوحدة الوطنية، سلطة رام الله، سلطة المقاطعة، حكومة دايتون، التيار المتصهين، الانفلات الأمني، الانقلابيون، التيار الدموي، سلطة أوسلو، الرئيس الفلسطيني، الشرعية الفلسطينية، دولة فلسطين، الأجهزة الأمنية، المرجعية الفلسطينية … وهكذا.

ولا شك أن هذه المصطلحات والمفردات رغم غموضها تستخدم للتعبير عن نهج سياسي، أو تيار سياسي، أو ممارسات سياسية، أو مواقف سياسية، أو جماعة مصالح شخصية، أو شخصيات سياسية، أو ارتباطات وولاءات إقليمية ودولية، أو عملية سياسية، أو مؤامرة سياسية، …  ولكن تبقى هذه المصطلحات مبهمة لدى عامة الناس، ولا تصلح لبناء إجماع وطني رأي عام فلسطيني يتسم بالوعي والجدية والمسؤولية، ولا تصلح لإطلاق أحكام وطنية ومحاسبة الخارجين عن الصف الوطني، ولكنها بالتأكيد تصلح للمناكفة السياسية والإعلامية.

فمثلاً عند الحديث عن التيار المتصهين، تبرز تساؤلات مهمة حول: تاريخه ونشأته، قادته وأشخاصه، أهدافه السياسية، ثقله السياسي محلياً وإقليمياً، مدى ارتباطه بالمخطط الصهيوني والأجندة الأمريكية، ولاءاته الإقليمية والدولية، والأهم من كل ذلك موقف الشعب الفلسطيني منه وكيفية التعامل والتعاطي معه.  وعند الحديث عن الوحدة الوطنية، فهل يقصد بها توحيد الشعب الفلسطيني على اختلاف توجهاته وانتماءاته السياسية والحزبية تحت راية واحدة؟! هذه الوحدة لا توجد إلا في الخيال فقط، والأولى الحديث عن نظام سياسي يحترمه الجميع، ولكن هذا لا يمكن أن يتحقق تحت الاحتلال الصهيوني، ولهذا لا بد من الحديث عن مرجعية فلسطينية، ولكنها الآن مخطوفة ومساء استخدامها، والشعب الفلسطيني كله يتحمل مسؤولية هذا الخلل الكبير، لأنه سبب رئيس للصراع الداخلي.

وضوح الخطاب السياسي والإعلامي الفلسطيني يساعد على بناء رأي عام فلسطيني إيجابي ومؤثر، وغموضه يميع المسؤولية ويحدث البلبلة ويزرع الأحقاد في القلوب، فمتى نميز بين التوعية والتعبئة من جهة وبين المناكفة السياسية من جهة أخرى؟!!
 
1/5/2009

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.