مكة؟!
فقد كُنْتِ لنا الدُّنيا | كما كنْتِ لنا الدِّينا! |
وكنْتِ المَرْبَعَ الشَّامخَ | يُرْشِدُنَا ويَهْدِينا! |
وكنْتِ الدَّارةَ الشَّمَّاءَ | تُكْرِمُنا وتُؤْوِينا! |
وكنْتِ الرَّوضَةَ الغَنَّاء | تُلْهِمُنا وتُعْلِينَا! |
فما أَغْلاكِ يا مكَّةُ أَنْجَبْتِ المَيامِينا! |
|
وما أَحْلاكِ يا مكَّةُ | ما أحلا القرابينا! |
نُقَدِّمُها لِمجْدِ الله | يُسْعِدُنا ويُدْنينا! |
* * * |
|
أيا مَوْطِنَ مِيلادي | لقد شَرَّفْتِ مِيلادي! |
كأَنِّي وأنا النُّطْفَةُ | كُوشِفْتُ بِأعْيادي! |
وكانَ صِبايَ تغريداً | كأَنِّي البُلبُلُ الشَّادي! |
يَرى في الرَّوْضِ والغُدْرانِ | ما يَنْشُدُه الصَّادي! |
وما كانت سوى الأَّقْداسِ | أَوْدَعَها بِها الهادي! |
فَسُبْحانَ الذي كَرَّمَ منها الطَّوْدَ والوادِي! |
|
فكانا سادةَ الأَرْضِ | بأغوارٍ وأَنْجادِ! |
فَهَلِّلْ يا صِبايَ الغَضَّ | أَنْتَ سَلِيلَ أَمْجادِ! |
* * * |
|
وكانَ شَبابيَ المَجْدُودُ | بين ظِلالِها يًنْمُو! |
ويَمْرَحُ بَيْنَ أَتْرابٍ | شمائِلُهم هي الغُنمُ! |
فَكلُّ سِماتِها شَمَمٌ | وكُلُّ لِداتِها شُمُّ! |
هي الأُمُّ التي احْتَضَنَتْ | فبُورِكتِ النَّدى. الأُمُ! |
فَلَيْس لَنا بِها هَمٌّ | سِواها فهي الهَمُّ! |
يُزيدُ لها حياةَ المَجْد | وهي المَجْدُ والكَرَمُ! |
سَقَتْها السُّحْبُ | ما يَخْضَرُّ منه القاعُ والأكَمُ! |
فما أَكْرَمَ ما أَشدَتْهُ | ما يَسْمو به القلم! |
* * * |
|
أَلا يا مَكَّةُ العَصْماءُ | يا حب الملايين! |
وذات المَجْدِ في الدُّنيا | وذات المجْدِ في الدِّينِ |
لقد أَنْجَبتِ من أَنْجَبْتِ | من غُرِّ المَيامِين |
فَكانُوا النُّورَ لِلْعالَمِ | في كُلِّ الميَادينِ! |
وكانوا الخُلُق السَّاِميَ | يَعْلُوا بالمَساكينِ! |
فَيَرْفَعُهم إلى الذُّرْوَةِ | تَصْبو لِلْمضَامِين..! |
فما يَعْنُونَ بالأَشْكالِ | تَسْخَرُ بالمجانِين! |
كُفينا بِكِ يا مَكَّةُ | مِن شَرِّ الشَّياطِينِ! |
* * * |
|
يا حَنِيني لِمًكَّتي رَغْمَ بُعْدي | عن ثراها الزَّكِيِّ.. عن أَبنائِهْ! |
أنا مِن ذلك الثَّرى قد تكَوَّنْتُ | وفي ظِلّهِ وظِلِّ سَمائِهْ! |
كيف لا أَسْتَعِرُّ مِن حُبِّه الهادِي | ولا أَسْتَطيلُ مِن إطْرائِهْ؟! |
هُولِي خَيْرُ ما أَسْتَحِلُّ من الحُبِّ | وما أَسْتَطيبُ من آلائِهْ! |
ذِكْرياتي مُنْذْ الصِّبا عَنْه حَتَّى | شِبْتُ. كانَتُ لِلقلبِ خيْرَ غّذائِهْ! |
لًيْتَني ما ارْتَحَلْتُ.. ولا غَابَ عَنِ العَيْنِ سَرْمَدِيُّ سَنائِهْ! |
|
تِلْكَ كانَتْ مَرَابعُ العِزِّ والصَّبْوةِ | في ناسه. وفي أندائِهْ! |
أَتمَنَّى البَطْحاءَ تِلْكَ لِمَثْوَايَ ندِيّاً في صُبْحِه ومَسائِهْ! |
|
بّيْن أَهْلي وَبَيْن صَحْبي فما أَطْيَبَ هذا الرُّقادَ في بَطْحائِهْ! |
|
رَبِّ إنَّ اللِّقاءَ أَمْسى قَريباً | فأَرِحْنِي بِمَنِّه وعطائِهْ! |
إنَّ رُوحي مِن الآثامِ تَلَظىَّ | فهو يَخْشى مِن جُرْمِهِ واجْتِرائِهْ! |
فَعَساهُ يَلقى بِعَفوِكَ عَنْه | ما يُرِيحُ الأَثيمَ مِن بُرَحائِهْ! |
كانَ إيمانُهُ قَوِيّاً نَقِيّاً.. | لم يُعَكِّرْ جُنُوحُهُ مِن صَفائِهْ! |
أّنْتَ تَدْرِي به.. وتَعْرَفُ نَجْواهُ | فَخَفِّفْ عنه شَدِيدَ بَلائِهْ! |
* * * |
|
أَيُهذا الإيمانُ.. يا بَلْسَمِي الشَّافي شَفَيْتَ السَّقيمَ مِن أَدْوائِة! |