www.omferas.com
شبكة فرسان الثقافة

التيارالاسلامي والثورة المصرية/الدكتور عادل عامر

0

أثارت مواقف الإسلاميين المتباينة من الثورة المصرية الكثير من الجدل الذي تستحق معهالمزيد من التأمل والدارسة بالرغم من أن تعامل الدعاة والتيارات الإسلامية معالأزمة لم يكن مفاجئا لغالبية المهتمين بدراسة الحركات الإسلامية عدا في مواقفقليلة شكلت صدمة أو دهشة أو خيبة أمل. تباين مواقف الإسلاميين جاء من اختلافالمدارس الفكرية التي ينتمون لها ولأمور أخرى قد تتعلق ببعض الحسابات الشخصيةوالجماهيرية لدى البعض منهم.

التيارالاسلامي  والثورة المصرية

الدكتور عادل عامر

أثارت مواقف الإسلاميين المتباينة من الثورة المصرية الكثير من الجدل الذي تستحق معهالمزيد من التأمل والدارسة بالرغم من أن تعامل الدعاة والتيارات الإسلامية معالأزمة لم يكن مفاجئا لغالبية المهتمين بدراسة الحركات الإسلامية عدا في مواقفقليلة شكلت صدمة أو دهشة أو خيبة أمل. تباين مواقف الإسلاميين جاء من اختلافالمدارس الفكرية التي ينتمون لها ولأمور أخرى قد تتعلق ببعض الحسابات الشخصيةوالجماهيرية لدى البعض منهم.

مايهمنا هنا: لماذا أيد هؤلاء الثورة ورفضها آخرون؟الإجابة قطعا لم تكن تحتاج إلىقيام الثورتين المصرية والتونسية لمعرفة آراء هؤلاء الدعاة والعلماء والحركاتوالتيارات المختلقة حيال المظاهرات المناهضة للحكام فالإشكال عند الممانعين هوأيديولوجي بالأساس فحتى وإن نجحت الثورتين وقامت ثورة ثالثة ستبقى المواقف دونتغيير لدى الغالبية العظمي مالم يتم إعادة قراءة ومراجعة هذه الإشكاليات العالقةفي مسائل الخروج على الحكام والسمع والطاعة وتطبيقاتها الفقهية على الحالات المعاصرة.لا أهدف هنا إلى رصد جميع المواقف واستقصاءها وإنما لوضع الخطوط العريضة لمعالمالاختلاف مع عرض بعض الأمثلة والمواقف في سبيل المساعدة على دراستها وقراءتهاوفهمها وتحليلها. ومن خلال استعراض أبرز المواقف على الساحة الدينية نستطيع أننقسم مواقف الإسلاميين إلى فريقين رئيسيين متضادين

 أولهما مؤيد والثاني معارض وهم الذين عبروابوضوح عن مواقفهم فيما تدرج آخرون في التعبير عن موقفهم مع تصاعد وتيرة الأحداثفيما آثر آخرون الصمت لما بعد مرور العاصفة.

 يتصدر الإخوان المسلمون والسلفية الحركية(السرورية)، الفريق الأول وهو المحتفي والمؤيد بما قام به شعبي مصر وتونس من ثورةلإسقاط الأنظمة الحاكمة.

غابالإخوان عن المشهد في البداية بسبب المضايقات الأمنية التي تعرضوا لها فآثروا عدمالإعلان عن المشاركة الرسمية في يوم الغضب 25 يناير برغم المزاعم الحكومية بضلوعالإخوان في التخطيط للمظاهرات، لكن سرعان ما تصاعدت وتيرة الأحداث وعاد الإخوانللمشهد السياسي في جمعة الغضب 28 يناير وأصدروا بيانات رسمية تعبر عن مطالبهموظهرت مشاركتهم الفاعلة على أرض الواقع ففي الوقت الذي تعرض فيهم الشباب المحتجللقمع من قبل النظام السابق كان الإخوان صامدين في ميدان التحرير بل إن أعدادهمباتت تتزايد خشية أن يحدث تراجع. تأثير الإخوان على الأرض عم أرجاء البلاد فلامكان للتظاهر إلا وفيه إخوانيون وإن لم يظهروا بشعاراتهم المعروفة، هذا التواجدالمكثف والمؤثر لا يحتاج لمزيد من العناء لإثباته فنظام مبارك الذي لا يعترفبالإخوان ولا يعرف إعلامه الرسمي سوى مسمى (الجماعة المحظورة) دعا صراحة الإخوانالمسلمون عبر نائب الرئيس عمر سليمان ورئيس الوزراء الجديد أحمد شفيق للانضمامللحوار الوطني للتفاوض مع النظام شأنه شأن القوى السياسية الأخرى. دعاة الإخوانأيضا كانوا مصدر تهييج وحشد جماهيري سيما الشيخ يوسف القرضاوي رئيس اتحاد علماءالمسلمين والذي يحظى بمكانة مرموقة في العالمين العربي والإسلامي موقف القرضاويكان قويا جدا ومؤيدا للثورة ومطالب الشباب لأبعد مدي فالشيخ القرضاوي لم يتوارى عنالهجوم على النظام المصري، داعياً الشباب إلى استمرار الاحتجاجات حتى سقوط النظاموتنحى مبارك. أيضا كان للداعية وجدي غنيم كلمة صوتية بُثت على الإنترنت يوم جمعةالغضب 28 يناير أعرب فيها عن تحيته الشعب المصري قائلا إن هذه الاحتجاجات تأخرتكثيرا مؤكدا على أن خروج الشعب المصري للشوارع ليس بدافع اقتصادي وإنما لتغيرالمنكر وإسقاط نظام المجرم مبارك -على حد تعبيره-، وغنيم هو داعية إخواني بارزعاني كثيرا من النظام المصري مما اضطره لترك مصر والإقامة بالخارج متنقلا بينأمريكا وانجلترا وجنوب افريقيا والبحرين ويقال أنه يقيم الآن باليمن وهو دائمالهجوم على شخص الرئيس مبارك وقال علانية بتكفيره في أكثر من مناسبة سابقة. واتفقمع غنيم الداعية السعودي عوض القرني الذي اتهمه نظام مبارك بتمويل التنظيم العالميللإخوان وقضت محكمة جنايات أمن الدولة العليا عليه غيابيا بالسجن خمس سنوات.القرني كان من أسعد الناس بسقوط النظام الذي هاجمه هو مرارا وبشراسة منذ اتهامه منقبل السلطات المصرية معلنا عن تأييده للثورة منذ بدايتها، كما كان سباقا لتهنئةالشعب المصري بنتائجها حيث قال في بيان له: تهنئة وتحية إجلال واحترام لشعب مصرالعظيم الذي توجه إلى قاعدة الاستبداد والظلم والعمالة والخيانة والفساد بكل صورهوأشكاله والحرب لله ورسوله فزلزل بنيانها وهز أركانها و جعل عاليها سافلها و قدمفي سبيل ذلك من التضحيات الغالي والنفيس بصورة حضارية راقية بهرت العالم وأصبحتمعلماً تفخر به أمتنا في تاريخ البشرية المعاصر. لم يكن الإخوان المصريون وحدهم فيخندق التأييد لثورة الغضب المصرية ومطالب المحتجين بإسقاط نظام الرئيس حسني مباركفأصدر مجموعة من الدعاة والأكاديميين السعوديين بيانا حول انتصار الثورتين المصريةوالتونسية عبروا فيه عن تأييدهم التام لمطالب الشعبين وتحيتهم لما قاموا به من عملبطولي وإذا ما استعرضنا أسماء الموقعين على البيان نلمح أسماء بارزة محسوبة علىالتيار الإخواني وإن رفض أصحابها التصريح بذلك لأمور تتعلق بمنع السعودية للأحزابوحساسيتها في التعامل معها كالشيخ عوض القرني والدكتور سعود الفنيسان عميد كليةالشريعة بالرياض سابقا، بالإضافة إلى المفكر الإسلامي (المستقل) محمد الأحمريوالذي أعاد على موقع مجلة العصر الذي يشرف عليها نشر مقال كتبه قبل أكثر من 8سنوات حمل عنوان: ” مشروعية المظاهرات: إحياء للسنة وتحقيقا لمقاصدالشريعة” قال عنه: أنه كُتب في ظروف قديمة وزمن قديم (في 24 محرم 1423 هـالموافق لـ6 أبريل 2002م)، ولكن الوضع متشابه، والقضية مطروحة مجددا لذى رأى إعادةطرحه. بطبيعة الحال يتصدر الفريق الثاني وهو (معارضي التظاهر) المنتمين للسلفيةالعلمية (التقليدية) و ما يعرف بالجامية وهم فريق من السلفية يقول مخالفوهم أنهميبالغون في السمع والطاعة لولاة الأمر، والموقف الذي اتخذه سلفيو مصر متمثلا فيجماعة أنصار السنة المحمدية ودعاتها من الدعوة لتحريم التظاهر والخروج على الحاكموحث المتظاهرين على العودة لمنازلهم هو الموقف التقليدي لاتباع الفكر السلفي الذينيرون وجوب السمع والطاعة ويحرمون الخروج على الحاكم درءا للمفاسد. وهو منهجالسلفيين عموما في التعامل مع الحكام وقد عبر عنه مفتي عام المملكة العربيةالسعودية، الشيخ عبد العزيز آل الشيخ، عندما شن هجوماً على مثيري المظاهراتوالمسيرات في مصر وغيرها من الدول العربية. وقال آل الشيخ في إحدى خطبه أثناءالمظاهرات المصرية إن الهدف من تلك المظاهرات هو ضرب الأمة الإسلامية في صميمها،وتشتيت شملها واقتصادها وتحويلها من دول كبيرة قوية إلى دول صغيرة”متخلفة”، داعياً إلى الوقوف موقف الاعتدال. ووصف مفتي السعودية مخططاتمثيري المظاهرات بـ”الإجرامية الكاذبة” لضرب الأمة والقضاء على دينهاوقيمها وأخلاقها. أيضا انتقد الدكتور محمد السعيدي رئيس قسم الدراسات الاسلاميةبجامعة أم القرى موقف الشيخ يوسف القرضاوي “رئيس اتحاد علماء المسلمين”مما يجري في مصر الآن من أحداث الآن مبدياً تعجبه من استبشار الناس بما يحدث الآنفي مصر من خروج الناس إلى الشوارع ومطالبتهم برحيل رئيسها كما استبشروا من قبل بماحدث في تونس مشيرا إلى أن ما فعله التونسيون وإن كان نتج عنه زوال طاغيتها فإنالذي حدث بعد ذلك ليس مما يستبشر به المسلمون فقد تولى مقاليد السلطة جماعة من ذويالتوجهات اليسارية الماركسية وليس هؤلاء بأحسن حالا في ود التدين وأهله منالليبراليين الذين كان يمثلهم زين العابدين بن علي وحزبه . وأبدى السعيدي أسفه مندخول الشيخ يوسف القرضاوي على هذا الخط وشرعنته لما يحدث من تصرفات شعبية لم تطلبمنه الحكم بشرعيتها عندما قامت – بحسب قوله- الأمر الذي يقتضيه الشرع أن خلع الحكاملا يكون من طريق غلبة الدهماء, بل يُخلع الحاكم بفتوى الخاصة من الناس ولا يَتمخلع الحاكم من قبل الخاصة حتى يسموا للمسلمين بديلا عنه . بل وصل الأمر إلى تحميلالقرضاوي مسؤولية الدماء التي أزهقت في مصر بتأييده للثورة ومطالبته بإسقاط النظامحيث قال الكاتب الصحفي السلفي إبراهيم رفعت وهو من المقربين من كبار دعاة أنصارالسنة المحمدية إن القرضاوي زرع الفتنة في مصر وتسبب في قتل أبناءها. إذن لم يكنمفاجأ أن يخرج الشيخ مصطفى العدوي لحث المتظاهرين على العودة إلى بيوتهم عبر شاشةالتلفزيون المصري ولا أن تصدر جماعة أنصار السنة المحمدية بيانا في ذلك، لكنالمفاجأة الكبرى تمثلت في موقف الشيخ صالح اللحيدان عضو هيئة كبار العلماءالسعودية والذي دعا مبارك للتنحي كونه المطلب الوحيد لآلاف المتظاهرين الذين يغصبهم ميدان التحرير في القاهرة وطرقات المدن المصرية. أما المفاجأة الأخرى فتمثلتفي موقف الشيخ محمد حسان أشهر دعاة السلفية في مصر وأحد أكبر دعاة جماعة أنصارالسنة المحمدية والذي شكل صدمة كبيرة لبعض أتباعه وأقرانه من السلفيين بمدحهالشباب الثائر وتأييده لمطالبه واصفا ما يحدث بالملحمة والعمل العظيم مناشداالشباب بالحذر من المندسين بينهم لقطف ثمرة هذا العمل الذي وصفهبـ”المبارك”، سيما أنه موقفه هذا يتعارض مع مواقف سابقة منها خطبة جمعةبثتها قناة (الرحمة) الفضائية التي يشرف عليها قال فيها: لن تخرج أمتنا هذه منأزمة الرزق بالفهلوة ولا بالإضرابات المخربة التي تسفك فيها الدماء والتي تتحطمفيها المحال والسيارات، وأضاف: “أعداؤنا يريدون لبلدنا أن تتحول إلى فوضى، واللهلو تحولت مصر إلى فوضى لن يأمن واحد منا على نفسه أو على ولده أو على ابنته،ولتتعلم الأمة مما يدور حولها من واقع مر أليم في العراق ..”. وبخلاف هذهالمواقف المعلنة آثر آخرون الصمت ولم يظهر لهم موقف معلن بالإيجاب أو السلب وعلىرأسهم الشيخ أبو إسحاق الحويني أحد أبرز دعاة السلفية في مصر. وخلاف هذين القسمينيوجد قسم ثالث وهم المقربون من النظام والذي اتسمت مواقفهم بالضعف والحذر وعلىرأسهم الصوفية حيث اكتفت الطريقة العزمية أحد أبرز الطرق الصوفية بمصر بانتقادالحكومة ومطالبتها بالاستجابة لمطالب الثورة، مع تجنب الحديث عن شخص الرئيس السابقمحمد حسني مبارك، فيما هاجم الدكتور أحمد عمر هاشم (رئيس جامعة الأزهر السابق وأحدأقطاب الصوفية) الثورة في مصر معلنا تأييده للرئيس السابق مبارك. وهذه المواقفالتي ظهرت للسطح فالطرق الصوفية غالبا بعيد عن الإعلام والسياسة كما أنها كانتتحظى بدعم من النظام السابق وعلاقة مميزة تفتقدها سائر التيارات الإسلامية الأخرى.أيضا التيار الجهادي الذي أجرى مراجعات فكرية لنبذ العنف متمثلا في الجماعةالإسلامية آثر الصمت والترقب إلى ما بعد مرور الأزمة على خلاف عادته في تعقبالأحداث وإصدار البيانات عبر موقعه الإلكتروني على الشبكة العنكبوتية كما فعل فيحادثة تفجير كنيسة القديسين قبل أسابيع. بيانات الجماعة الإسلامية لم ترى النورإلا عقب لقاء نائب الرئيس السابق عمر سليمان بمثلي القوى السياسية للحوار حيثاعتبرت الجماعة في بيان لها أن ما تمخضت عنه جلسات الحوار الوطني التي يجريهاالسيد عمر سليمان نائب رئيس الجمهورية مع القوى الوطنية والسياسية من أفكار ورؤىحتى وإن لم تنزل إلى حيز التنفيذ بعد .. هي أمور تستحق الإشادة والتدعيم. وعقب تنحيالرئيس مبارك عن الحكم أطلت الجماعة في بيان حمل عنوان “فجر جديد يطل علىمصر” اعتبرت فيه تنحي مبارك عن السلطة وتسليمه جميع سلطاته للمجلس الأعلىللقوات المسلحة خطوة إيجابية في الطريق الصحيح لإنهاء الأزمة الأخيرة التي استحكمتفي مصر، وإن تأخرت كثيرا هذه الخطوة، رغم مطالبة الشعب المصري بها مرارا وتكرارا.وناشدت الجماعة الإسلامية المجلس الأعلى للقوات المسلحة بأن يبادر بإجراء حواروطني جاد مع كافة القوى السياسية وممثلي المتظاهرين دون إقصاء. كما أشادت الجماعةالإسلامية بالدور الوطني للمؤسسة العسكرية المصرية للحفاظ على استقرار البلادورعاية مصالح الشعب المصري، وأعلنت تأييدها للمتظاهرين في ميدان التحرير وغيره منميادين مصر ، الذين وصفتهم بأنهم سطروا أروع ملحمة لتحقيق مطالب الشعب المصريالعادلة والتعبير عن أشواقه المشروعة للحرية والعدالة والمساواة. سقوط النظام المصريكان متنفسا قويا دفع الجماعة التي مارست العنف ضد الحكومة في الثمانيات وأوائلالتسعينات قبل أن تراجع أفكارها في السجون المصرية إلى عقد أول مؤتمر لها بأسيوطبقيادة الشيخ العدوي بعد غياب دام 20 عامًا عن الساحة بشكل عام، حيث اجتمع عدد منأفراد الجماعة بمقر الجمعية الشرعية بأسيوط، وأخذوا في التحاور حول ما حدث في مصر،وهنأوا بعضهم علي الثورة. وقالت تقارير إعلامية إن اجتماعهم انتهى على ضرورةالمشاركة في الإصلاح، والانغماس في الحياة العامة في مصر، من أجل رفعة شأنالمجتمع. ويقول مقربون من الجماعة الإسلامية إنها عمدت إلى العودة إلى مساجدهاالقديمة واستعادتها بغرض ممارسة الدعوة والأنشطة الاجتماعية بعد هذا الغياب الطويلفي محاولة لاستعادة حيويتها المفقودة وجس نبض الشارع حول شعبيتها ومدى قبولهالديهم قبل الإقدام على خطوة تتعلق بالمشاركة في الحياة السياسية كالمنافسة علىدخول البرلمان. وبين هؤلاء وهؤلاء يبرز قسم آخر لا يمكن تجاهله وهم سلفيوالإسكندرية (وهي مدرسة سلفية لها طابع خاص اشتهرت بفكرة العمل الجماعي دون قيادةتنظيمية كالإخوان المسلمون). موقف المدرسة السلفية بالإسكندرية يمكن وصفه بالتطورمع المعطيات أو التغير التدريجي حسب تسلسل الأحداث فالبداية كانت رفضا تاماللتظاهر وذلك قبل اندلاع ثورة الغضب المصرية بأيام عندما نشر موقع صوت السلف فتوىللمشرف العام عليه ياسر برهامي أحد أبرز رموز سلفية الإسكندرية يطالب الشباب فيهابعدم التظاهر قبل أن يتحول عقب أحداث الانفلات الأمني التي اجتاحت البلاد إلىالدعوة إلى المطالبة بحماية الممتلكات العامة والخاصة وفي مقدمتها ممتلكاتالمسيحيين والأجانب وتحريم الاعتداء عليها والقول بوجوب التصدي للبلطجية واللصوص،والمشاركة الميدانية في إنشاء اللجان الشعبية التي صارت المساجد مقارّ لعملها،كذلك الفتوى بتحريم الاستغلال ورفع الأسعار أثناء الثورة، والتحرك فعلياً لإيجادحلول عملية لمواجهة هذا الاستغلال بتأليف مجموعات لشراء الخضروات والسلع الغذائيةمن مصادرها وإعادة بيعها بأسعار رخيصة للأهالي. حيث جاء في البيان الأول للدعوةالسلفية ما نصه: والواجب على المسلمين التعاونُ على منعِ ذلك، وحمايةِ الممتلكاتالعامَّة والخاصَّة، والتحذيرُ مِن التخريب والسَلْب والنَّهْب والسَّرِقاتوالاعتداءِ على الناس، وأَوْلَى الناسِ بذلك هم الصالحون مِن أبناء كُلِّ حَيٍّ؛الذين يجب عليهم جميعًا التعاونُ والاجتماعُ على النَّهْي عن هذه المنكَرَاتومَنْعِها، ولْنُذَكِّرِ الناسَ بأنَّ الأموالَ العامَّةَ ليست مُبَاحَةً، بل هيأعظم حُرْمَةً مِن الأموال الخاصَّة. فيما ناشد البيان الثاني الخطباءَ والدُّعاةَأن يحثوا الناسَ بكل ما هو متاح مِن وسائل التواصل على المحافظة على الدِّماء والأعراضوالأموال ، والتصدي للعصابات الإجرامية التي تَعيث في البلاد فسادًا وإرهابًاوترويعًا للآمنين، والتثبت في قبول الإخبار والتكافُل والإيثار وتَفَقُّد الجيرانوحثُّ السلفيون المستشفيات الخاصَّة أن تفتحَ أبوابَها لاستقبال حالات الطوارئوعلاجِها بالمجَّان كما أشاد البيان بشهامةَ الشباب المصري ورجولتَه ووقفتَهالبطوليةَ الرائعةَ في حماية الطُّرُقات والمباني والتصدي للمجرمين داعيا الجميعإلى التوبة والاعتصام بحبل الله.: حدث كل هذا التطور في خطاب التيار السلفيوممارساته، لكن ظل بعيداً عن الدور السياسي أو المشاركة الفعلية في الثورة عبرالتظاهر. وهو ما يمكن أن نلمسه فعليا من خلال قراءتنا للبيان الثالث للدعوةالسلفية بالإسكندرية والذي جاء فيه ما نصه” مع يَقيننا أنَّ التغييرَالحقيقيَّ هو في إقامة دِين الله في الأرض وسياسةِ الدنيا به؛ إلا أنَّ إدراكَناللواقع ومعرفتَنا بأنه لا بد أن تَسبق هذا خطواتٌ هي الآن في حَيِّز الممكِنوالمتاح، وليست هي كُلَّ الـمَرْجُوِّ والمأمول؛ وسنلخصها في الآتي: تغيير الوضعالسابق على الأحداث ضرورةٌ حتميةٌ؛ فلا يمكن أن يستمر مَن أَدَّى بالبلاد إلى حافةالهاوية -نسأل الله أن يعافيَنا منها-، ولكنَّ الكلامَ على كيفية حدوث ذلك إلىالأفضل لا إلى الأسوأ، ولا يمكن الاستمرارُ في دَفع البلاد إلى مَزيدٍ مِن الفوضى،وها نحن قد رأينا كيف أَدَّى غيابُ مرفق واحد -وهو الشرطة- إلى أنواع المفاسد والمخاوف والسَّلْب والنَّهْب؛ فكيف يطالِب البعضُ باستمرار ما يؤدي إلى الفوضى،وقد أُخرِجَ المجرمون مِن السجون، وتسلحوا بالأسلحة المسروقة؟! فكيف إذا زادالأمرُ بفَرَاغِ باقي المرافق: مِن التجارة الداخلية، والتَّمْوِين، والتجارةالخارجية، واحتياطات البلاد مِن الغذاء والوقود، وغيرِها؟! وكيف إذا غابتْ مرافقالاقتصاد والبنوك -وبخاصة البنك المركزي- والمرتَّبات والمعاشات والمصانع والأنشطةالتجارية -ولو لمدة وَجيزة-؟! كُلُّ هذه المفاسد وأضعافُها مِن التقاتُل وسَفكالدِّماء وانتهاكِ الحُرُمات سوف تكون هي النتيجة للتغيير الذي يَعقبه فَرَاغٌ،خاصةً مع غياب قيادةٍ للمظاهرات، وعَدَمِ تَوَحُّدِ الأحزاب السياسية؛ فمَن يَدفعالبلادَ لمزيدٍ مِن الفوضى بحجة التغيير مع كُلِّ ما ذُكِرَ سيَتحمل نتائجَ ذلك كُلِّهأمام الله -عَزَّ وَجَلَّ-.وأضاف البيان: إنَّا نُرجِّح قبولَ إصلاحاتٍ عاجلةلإنقاذ الموقف، على أن تكون هناك فترةٌ انتقالية تمهيدًا لانتخاباتٍ حُرَّةٍحقيقية مِن أجل تولية الأَكْفاء. سلفيو الإسكندرية كانوا أكثر إيجابية من الجماعةالإسلامية فلم ينتظروا حتى تنتهي الأزمة وتظهر خيوط التغيير ليعلنوا عن موقفهمفأقاموا مؤتمرا سلفيا أثناء ثورة الشعب المصري عبروا فيه عن تأكيدهم على هوية مصرالإسلامية فيما أبدى الشيخ محمد إسماعيل المقدم أحد أبرز دعاة الإسكندرية عدماستبشاره بالتغيير بقوله: لو البرادعي أقام دولة ليبرالية وعلمانية وحرية مش بعدهاكده، كل الناس ستنال الحرية ماعدا أهل الإسلام أهل الدعوة …. ، لأنه أمريكي هوأو غيره، وأضاف ما نصه : لكن ما تحطوش أمل في الناس ديه أنها تتحمل مسؤوليتكمأنتم، التغيير الحقيقي ما يحدث في المساجد – تحفيظ القرآن الكريم هو ده تغيير-تصحيح العقيدة أعمق أنواع التغيير. لكن ياسر برهامي أصدر بيانا على موقعه”صوت السلف” يوضح تصريحات المقدم في المؤتمر مؤكدا على أن البعض فهم مِنكلام الشيخ “محمد إسماعيل” في “المؤتمر السلفي” أنه يمدحالشباب الذين قاموا بالثورة وأن موقف الدعوة قد تغير إلى المشاركة في المظاهرات،ولا أدري لماذا انبرى برهامي لتوضيح كلام المقدم ونصب نفسه متحدثا رسميا باسمه،وهل لم يكن المقدم يستطيع إصدار هذا البيان أو الخروج لتوضيح ما قاله. قد يقولالبعض أن هناك ضغوطا واجهها المقدم لتوضيح ما تناقلته وسائل الإعلام عنه أو أن هناكخلافا في وجهات النظر حدث بين القطبين الكبيرين في الدعوة السلفية بالإسكندرية جعلالمقدم ينصاع مكرها للبرهامي صاحب النفوذ الأكبر والشخصية الأكثر كاريزما في أوساطالشباب، فحاول البرهامي في بيانه التوضيحي لكلام المقدم التأكيد على أن موقفالدعوة المعلن والموجه إلى أبنائها ومَن يوافقهم لم يتغير، وأضاف: كما أوضحناه قبلوأثناء الأحداث، ولاعتبارات أخرى أيضًا تصب في مصلحة الثورة وترشيدها لا إجهاضها،كما يزعم البعض. ويقول الدكتور ياسر برهامي في بيانه: بينما كان فضيلة الشيخ”محمد إسماعيل” -حفظه الله- يتكلم عن أمر قد وقع بالفعل، ولم يطلب مِنأحد الاشتراك في المظاهرات، وكما سَمِع الجميع دعوتنا بعد المؤتمر للانصراف فيهدوء، وهو في كلمته قد مدح الطاقات، والصفات الحسنة، والمواقف الرائعة مِن الشبابالتي ظهرت خلال الأحداث، مِن: جرأة، وشجاعة، وثبات، وحرص على الكرامة. ويضيف: الذينلم يشاركوا في المظاهرات كانوا يقومون بدور هام في حراسة الأمن وضبط الشارع عنطريق اللجان الشعبية، وكذا واجب التكافل الاجتماعي مع الفقراء الذين تضرَّروا بشدةمن هذه الأوضاع، والتصدي للمجرمين الذين روَّعوا الناس وصالوا على ممتلكاتهم، وكذاالدعاة الذين جهروا في عنفوان قوة الباطل، وهو أيضًا قد نبَّه في كلمته أننا لايمكن أن نُوقـِّع لشباب الإنترنت في المظاهرات على بياض؛ فليس مِن حقهم وحدهمتقرير مصير الأمة؛ بل هم جزء منها. وقد أشار –والحديث للبرهامي عن المقدم- فيكلمته إلى المأزق الذي وُضِعنا فيه؛ لأن الدستور -من جهة- مُفصَّل على فرد أوأفراد بأعيانهم، ومن جهة أخرى فإن البديل هو عمل مراجعة شاملة وجديدة للدستورالأمر الذي يعطي المغرضين فرصة للتحرش بالهوية الإسلامية للبلاد كما أشرتُ مسبقافالاختلاف بين الدعاة والتيارات الإسلامية بالإساس هو أيدلوجي فقهي يستند إلى أدلةوتأويلات وحجج ومعتقدات لذا التلون فيه والتغيير والمجاملة مستبعدة بشكل كبير لأنالآراء من المفترض أنها صادرة عن اجتهادات وقناعات يرى أصحابها أن ما ذهبوا إليههو رأي الشارع الحكيم الذي يدينون الله به بخلاف الآراء الشخصية لأطياف أخرى منالمجتمع كانت تتعامل مع الأزمة مثل مؤشر البورصة هبوطا وصعودا بحسب الأوضاعوالمتغيرات والمؤثرات الجانبية. ولتحرير محل النزاع لابد أن نعيد قراءة الشبهاتحول مسائل السمع والطاعة والخروج ومفاسد المظاهرات وحالات السماح بالخروج علىالحكام وهل التظاهر السلمي يعد خروجا وهل مفاسد الخروج قد تكون أقل من إيثار الصمتمع الوضع في عين الاعتبار أن الأنظمة والدساتير العربية والدولية لا تجرم الاحتجاجالسلمي حتى أعتى الأنظمة الديكتاتورية تسمح للمتظاهرين بعد الحصول على ترخيص ممايعني أنه ليس خروجا على ولي الأمر، كما تعد أن الاحتجاجات من وسائل قياس الرأيوالوقوف على مطالب الجماهير من قبل الحكومات التي قد تكون مغيبة عن واقع شعوبها،وقد يقول آخرون أنه قد يكون من باب إبراء الذمة أو أضعف الإيمان. ما سبق مجردتساؤلات وفرضيات تحتاج إلى إعادة دراسة متجردة للحق من قبل المختصين مع حوار فقهيفكري بين المتضادين يعيد تقييم المواقف بناء على فقه الواقع وملابسات الأمور.فالحالة المصرية – برأيي – لها طابع خاص لا يمكن قياسه على أية حالة أخرى فالصبروالصمت فاقا حدود المعقول، فثلاثة عقود من الفساد والظلم والانحدار في شتىالمجالات كانت كافية للخروج للشارع تعبيرا عن الأذى كما أمر النبي صلى الله عليهوسلم أحد أصحابه عندما أشتكى له من جار يؤذيه فقال له أخرج متاعك إلى الطريق كمافي الحديث عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ:قَالَ رَجُلٌ : يَا رَسُولَ اللهِ ،إِنَّ لِي جَارًا يُؤْذِينِي ، فَقَالَ : انْطَلِقْ فَأَخْرِجْ مَتَاعَكَ إِلَىالطَّرِيقِ ، فَانْطَلَقَ ، فَأَخْرِجَ مَتَاعَهُ ، فَاجْتَمَعَ النَّاسُ عَلَيْهِ، فَقَالُوا : مَا شَأْنُكَ ؟ قَالَ : لِي جَارٌ يُؤْذِينِي ، فَذَكَرْتُلِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ، فَقَالَ : انْطَلِقْ فَأَخْرِجْ مَتَاعَكَ إِلَىالطَّرِيقِ ، فَجَعَلُوا يَقُولُونَ : اللَّهُمَّ الْعَنْهُ ، اللَّهُمَّ أَخْزِهِ، فَبَلَغَهُ ، فَأَتَاهُ فَقَالَ : ارْجِعْ إِلَى مَنْزِلِكَ ، فَوَاللهِ لاأُؤْذِيكَ.

 

 

كاتب المقال
دكتور في الحقوق و خبيرفي القانون العام

ورئيس مركز المصريين للدراسات السياسيةوالقانونية والاقتصادية

 عضو  والخبير بالمعهدالعربي الاوروبي للدراسات الاستراتيجية والسياسية بجامعة الدول العربية

محمول

01002884967
الدكتور عادل عامر

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.