www.omferas.com
شبكة فرسان الثقافة

خمس ليرات …… ورق/بقلم: شامل سفر

1

في أواسط السبعينات من القرن الماضي ..

كانت الخمس ليرات (تحكي) …

بل كانت متكلمة من الطراز الأول. ولم تكن تكتفي بالكلام فقط ..

بل كانت تقول وتفعل …. يعرف هذا الكلامَ أبناءُ جيلي؛ مواليد أواسط الستينات .. أي أولئك الذين يعرفون أن ثمن شطيرة (سندويشة) في (بوفيه) واحدةٍ من أهم المدارس الخاصة المحترمة بدمشق (مدرسة الأخوّة الخاصة للبنين) التي درستُ فيها كل مراحل دراستي .. لم يكن يتجاوز عشرة قروش .. في حين كانت تلك القروش العشرة يمكن أن يُشترى بها في أماكن أخرى، أكثر من ذلك بكثير … فلكم أن تتخيلوا ما الذي يمكن أن يشتريه المرء في تلك الأيام بخمس ليرات.
ومن ذكريات طفولتي التي لا أنساها … أن أحد أخوالي (وهو تحديداً خال والدي) … كان يعطيني في العيد خمس ليرات ورقية .. جديدة .. طازجة … وكأنها خرجت للتوّ من المطبعة .. لم تعركها الأيدي بعدُ بالأخذ والرد ….. وكان ـ رحمه الله ـ يعطي أخي الأصغر مثلها …. فكانت بالنسبة لنا في تلك الأيام ثروة .. نعم .. ثروةً لم نكن ندري كيف نتصرف بها ….. كنا نظل نشتري وننفق، ويبقى الجيبُ عامراً وفيه المزيد.
لم يكن خال والدي مليونيراً … ولا صاحب أملاك وأطيان .. بل كان سائقاً يعمل في واحدة من أشق المهن على وجه الأرض .. الشحن البري … يقود سيارات الشحن الضخمة، بأحمالها الثقيلة، لأيامٍ وليالٍ طويلة .. في كافة الظروف الجوية .. وفي الطرق القديمة التي كان ثلاث أرباعها صحراء ليس فيها إنس …. أي أنه ـ رحمه الله ـ كان من أولئك الذين يُمسون كالّين (أي متعبين) من عمل أيديهم .. من أولئك الذين قال عنهم رسولُ الله صلّى الله عليه وسلّم: (مَن أمسى كالاً من عمل يده أمسى مغفوراً له) .. أو كما قال، عليه الصلاة والسلام.
إنها الخلطة الثلاثية يا سادة … الحلال .. الكرم .. والبركة …. الحلال يتوّج الكرم، فتأبى البركة إلا أن تظللهما بجناحيها .. والنتيجة: مَلِكٌ يمشي بين الناس .. تاجه الحلال .. وخُلقه الكرم .. وطيب ذكره يسبقه أنّى حلَّ أو ارتحل.

يرحمك الله يا خالي عدنان قازان … كنتَ تجسيداً لقول الشاعر:

ليس العطاءُ من الفضول سماحةً ……. حتـى تـجودَ و مـا لديـك قليـلُ

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.