www.omferas.com
شبكة فرسان الثقافة

سلسلة مقالات عن الأطفال في عالمنا الإسلامي: الحقوق والتحديات -2-/صالح الطائي

0

أجمع المؤرخون على أن جميع الرسالات السماوية سعت إلى بناء الطفولة الحقيقية وصيانة حقوق الطفل. والإسلام رسالة سماوية مكملة للرسالات السماوية السابقة وخاتمة لها جاءت لتكمل بناء الإنسان وترميم علاقاته بما يتوافق مع إنسانيته وقيمته كخليفة لله وككائن أسمى في الوجود. وكان المنهج التربوي الإسلامي متكاملا شاملا بدأ من أضيق الحلقات وصولا إلى السعة القصوى. ولذا من الطبيعي أن نجد في الإسلام اهتماما فائقا ببناء الطفولة الحقيقية وضمان حقوقها يبدأ اعتبارا من اللحظة التي يرغب الرجل فيها بالزواج بامرأة ما ولا ينتهي إلا عند تقويم الطفل كليا وإعداده للحياة بمواصفات كاملة ليدخل إلى معترك الحياة رجلا كامل الأهلية

سلسلة مقالات عن الأطفال في عالمنا الإسلامي: الحقوق والتحديات -2-

الحلقة الثانية
بناء طفولة حقيقية، حدود وحقوق الطفولة في فقه الشريعة الإسلامية
 
صالح الطائي
أجمع المؤرخون على أن جميع الرسالات السماوية سعت إلى بناء الطفولة الحقيقية وصيانة حقوق الطفل. والإسلام رسالة سماوية مكملة للرسالات السماوية السابقة وخاتمة لها جاءت لتكمل بناء الإنسان وترميم علاقاته بما يتوافق مع إنسانيته وقيمته كخليفة لله وككائن أسمى في الوجود. وكان المنهج التربوي الإسلامي متكاملا شاملا بدأ من أضيق الحلقات وصولا إلى السعة القصوى. ولذا من الطبيعي أن نجد في الإسلام اهتماما فائقا ببناء الطفولة الحقيقية وضمان حقوقها يبدأ اعتبارا من اللحظة التي يرغب الرجل فيها بالزواج بامرأة ما ولا ينتهي إلا عند تقويم الطفل كليا وإعداده للحياة بمواصفات كاملة ليدخل إلى معترك الحياة رجلا كامل الأهلية.
لقد أثبتت العلوم المعاصرة أن الطفل يرث طباع وعادات وجينات أسرته (الأب والأم) ولهذا أهتم الإسلام باختيار الأصل مؤكدا أن ما يرثه الطفل عن الأم يقع بنفس أهمية ما يرثه عن الأب ولذا قال النبي (ص): “الخال أحد الضجيعين” فأعطى لما يمكن أن يورث من الخؤولة نفس درجة ما يورث من العمومة، وبناء عليه أوصى المسلمين بحسن اختيار الأب والأم، قال النبي (ص): “اختاروا لنطفكم فإن العرق دساس” ونهى عن الانسياق خلف النزوات والانخداع بالمظهر الخداع، قال النبي (ص): “إياكم وحسناء الدمن” ثم ربط هذه المنظومة بأحد أهم أسباب الزواج وهم الأطفال، قال النبي (ص): “تزوجوا الودود الولود” وهي دعوة متقابلة لأن لا تتزوج المرأة بالرجل العقيم.

بعدها ينتقل المشرع الإسلامي إلى مرحلة بناء الأسرة مبتدئا بالأصل الواحد للبشر لكي لا يشعر جنس بشري  بأفضلية على جنس بشري آخر، قال تعالى:{ يأيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير}
وقال تعالى: {يا أَيها الناس اتقُوا ربكم الذِي خَلَقَكم مِن نَفسٍ واحدة وَخَلَقَ مِنهَا زوجها وَبَث مِنهمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتقُوا الله الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأرحام إِن الله كَانَ علَيكم رقيبا} ومن هذا الأصل الواحد كانت آية خلق الزوجين ووجود تلك الأواصر الرائعة بينهما، قال تعالى:{ومن آياته أنْ خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودّة ورحمة}

في مرحلة أخرى ينتقل المشرع لتقنين العلاقة بين الزوجين منذ الأيام الأولى للزواج، قال النبي (ص): “من اتخذّ زوجة فليكرمها” وذلك لأن الله كان يوصيه بالزوجة وقد قال (ص): “أوصاني جبرائيل بالمرأة حتى ظننت انه لا ينبغي طلاقها إلا من فاحشة مبينة”
لقد أراد الإسلام لقواعد التربية أن تبدأ من نطاق الأسرة ذاتها ولذا وضع قواعد للتفاهم الأسري بين الزوجين ومنها وجوب الاحترام المتبادل، قال النبي (ص): “خير الرجال من أُمتي الذين لا يتطاولون على أهليهم ويحنون عليهم ولا يظلمونهم” وقال: “خيركم خيركم لنسائه وأنا خيركم لنسائي” وقال الإمام جعفر الصادق (ع): “رحم الله عبداً أحسن فيما بينه وبين زوجته” وأوصى الإمام علي (ع) ابنه محمد بن الحنفية قائلا: “إن المرأة ريحانة وليست بقهرمانة، فدارها على كلّ حال، وأحسن الصحبة لها فيصفو عيشك” وقد نهى النبي (ص) عن استخدام العنف مع الزوجة فقال: “أي رجل لطم امرأته لطمة أمر الله عز وجل مالك خازن النيران فيلطمه على حر وجهه سبعين لطمة في نار جهنم”
وحفاظا على الرابطة الأسرية شجع النبي (ص) الزوجين على الصبر احدهما على الآخر، قال النبي (ص): “من صبر على سوء خلق امرأته أعطاه الله من الأجر ما أعطى أيوب على بلائه” وعن الإمام محمد الباقر (ع): “وجهاد المرأة أن تصبر على ما ترى من أذى زوجها وغيرته” وعنه أيضا: “من احتمل من امرأته ولو كلمة واحدة أعتق الله رقبته من النار وأوجب له الجنّة”

ولما كان من الطبيعي في العلاقة الزوجية أن تكون سببا لولادة الأطفال وما يتطلبه ذلك من اهتمام ومداراة وعناية فقد وضع الإسلام منظومة تربوية في غاية الدقة تبدأ
من وجوب العمل والمثابرة للصرف عليهم، قال (ص): “الكاد على عياله كالمجاهد في سبيل الله” ولا تنتهي حتى في مرحلة الإعداد المتكامل الذي لا يخشى معه الضياع، قال تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمنوا قوا أَنفسكم وأهليكم نَارا وقودها الناسُ وَالْحجارة} وقال النبي (ص): “ملعون ملعون من يُضيع من يعول” كل ذاك حفاظا على كيان الأسرة واحتراما لحقوق الطفل فيها لأن الخلاف الأسري يدفع إلى تفكك الأسرة وفقدان الأطفال لحقوقهم.
وبناء عليه أوجب الإسلام للأطفال حقوقا على آبائهم، أبانها الإمام زين العابدين (ع) في رسالة الحقوق في قوله: “وحق ولدك أن تعلم أنه منك ومضاف إليك في عاجل الدنيا بخيره وشره، وإنك مسؤول عما وليته من حسن الأدب والدلالة على ربه عز وجل والمعونة له على طاعته، فاعمل في أمره عمل من يعلم أنه مثاب على الإحسان إليه معاقب على الإساءة إليه”
إن سؤال: من الطفل في الإسلام؟ قد يكون على قدر كبير من الأهمية لأن معرفة الجواب تؤسس لثقافة قبول ما يتواءم مع التشريع الإسلامي من القوانين الدولية.
الطفل في الإسلام: من لم يبلغ الحلم أو ما يعرف بحد البلوغ، وهو أن لا يتجاوز الخامسة عشر من العمر. وقد حددته وثيقة حقوق الطفل الدولية بثمانية عشر عاما
وهو عمر مقارب لما أقره الإسلام، وهذا التوافق والتقارب يدل على  مؤشرات مهمة من حيث:
• تقارب المفاهيم الدولية مع المفاهيم الشرعية أحيانا بل غالبا.
• حقيقة وجود الاختلاف بين البشر.
بخصوص النقطة الأولى أقول: إن من يقارب القوانين الدولية مع منظومة الحقوق الإسلامية يجد نوعا من التقارب الضمني الذي يشجع على الاستعانة بتلك القوانين ما دام هنالك بين المسلمين من لا يعمل بقوانين الإسلام التي لا تجد قوة قسرية لتطبيقها.
كما أثبتت العلوم الحديثة أن الطفل في المناطق الصحراوية الجافة والحارة يصل إلى سن البلوغ قبل طفل المناطق المعتدلة والباردة، وهذا الاختلاف يجب أن تراعيه المنظمات الدولية عند سنها لقوانينها، وأن يراعيه المسلمون عند ملاحظتهم للاختلافات الموجودة بين التشريع الفقهي والنص القانوني الدولي.
وإذا ما كان المجتمع الدولي قد أقر قوانينه لأنه يرى أن الأنماط التربوية القديمة لم تعد قادرة على التماشي مع مستجدات الحياة، فذلك ليس غريبا على الفكر الإسلامي، ففي الإسلام هناك آراء تؤمن كليا باختلاف ثقافة الأجيال المتقاربة وليس البعيدة عن بعضها فقط، وهو ما أشار إليه الإمام علي (ع) بقوله: “لا تؤدبوا أولادكم بما أدبتم فقد خلقوا لزمان غير زمانكم”
فضلا عما تقدم هناك في منظومة حقوق الطفل الإسلامية مجموعة محاور منها:
• وجوب  أن تكون أول كلمات يسمعها الطفل إقتداء بالنبي (ص) كما فعل مع الحسنين، هي كلمات الآذان والإقامة.
حيث يؤذن في أذن المولود اليمنى وتقرأ الإقامة في أذنه اليسرى. عن أبي رافع عن أبيه قال: “رأيت رسول الله أذَن في أذن الحسن بن علي حين ولدته فاطمة، بالصلاة” لتبدأ بعد ذلك مرحلة البناء والتربية تواصلا مع تلك المعاني القدسية وصولا إلى التغيير الجذري لا لإقامة الحضارة وتأسيس دورها الرسالي  فقط وإنما يتعداه إلى البحث عن الآليات التي تحفظ هذا التغيير من التراجع والمجتمعَ من النكوص، مع مراعاة التطور وأثره على البنية العامة للأخلاق.
• حق الطفل في أبوين كريمين:
قال النبي:” إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير”. وقال في مناسبة أخرى:” تخيروا لنطفكم فانكحوا الأكفاء، وانكحوا إليهم” أو: “تخيروا لنطفكم فإن العرق دساس”
• حق الطفل في الحماية الروحية حتى قبل أن يتكون في الرحم:
قال النبي:” لو أن أحدكم إذا أراد أن يأتي أهله [أي يعاشرها] قال: بسم الله، اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا فإنه إنْ يُقدرْ بينهما ولد في ذلك لم يضره شيطان أبدا”.
• حق الطفل بنسب معروف:
وهو أن يكون الطفل نتاج علاقة طبيعية شرعية بين رجل وأنثى متزوجين، وهو ما نختلف به مع القوانين العالمية التي تعطي للطفلين الشرعي وغير الشرعي نفس الحقوق. حيث نرى أن ما جاء في القوانين الدولية يشجع الرجال والنساء على إقامة العلاقات خارج مؤسسة الزواج، وهو أمر محرم في الإسلام. ولكننا نعتقد أيضا أن هذا الطفل ضحية خطأ مجتمعي ويجب على المؤسسة الحكومية أن ترعاه تماما كما ترعى الأطفال الشرعيين، بل هناك مذاهب إسلامية تجيز للرجل المولود بشكل غير شرعي أن يؤم المسلمين في الصلاة، أي أن يصبح إماما.
• حق الطفل في حسن التسمية:
أوجب الإسلام على الأبوين والأسرة أن يحسنوا تسمية أولادهم من البنين والبنات ويختاروا لهم الأسماء الجميلة بما لا يسيء لهم في الكبر.
• حق الطفل في الحياة:
وقد أقر الإسلام حق الحياة للطفل قبل كل التشريعات الأخرى فمنع قتل البنت خاصة والأولاد عامة خشية الإملاق أي الجوع وقلة الطعام، وخفف عن الحامل والمرضع الصيام لكي لا يصيب الضرر جنينها أو طفلها. وأخرَ تطبيق الحدود الشرعية على الحامل إلى أن تلد، وأوجب الدية على من اعتدى على الجنين في بطن أمه.
• حق الطفل في الرضاعة الطبيعية خلال المدة الطبيعية:
 لكي ينمو الطفل معافى سليما جعل الإسلام أجلا للرضاعة، قال تعالى: {والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة} وفي الروايات أن امرأة زنت وحكم عليها بالحد الشرعي وهو الرجم ولكن النبي أخر رجمها وقال: “إذا لا نرجمها وندع ولدها صغيرا ليس له من يرضعه”
• حق الطفل في الرحمة والرعاية النفسية والحب:
وفي الروايات أن الحسن بن علي، أقبل على النبي وعنده الأقرع بن حابس جالسا،فاحتضنه النبي وقبله، فقال الأقرع: إن لي عشرة من الولد، ما قبلت منهم أحدا، فنظر إليه رسول الله وقال:” من لا يَرحم لا يُرحم”
• حق الطفل في العدل والمساواة:
لقد أوجب الإسلام العدل والمساواة بين الأولاد ذكورا وإناثا، قال النبي:” من كانت له أنثى فلم يئدها، ولم يهنها، ولم يؤثِر ولده عليها، أدخله الله الجنة”
• حق الطفل في الاستمتاع بطفولته:
قال الصحابة عن النبي: كان حفيداه الحسن والحسين يجلسان على ظهره وهو في الصلاة فيطيل السجود حتى يستمتعا باللعب، وكان عنده خادما صغيرا اسمه أنس يرسله في حاجته، فيمر الخادم على الصبيان وهم يلعبون، فتدفعه غريزة الطفولة ليلعب معهم فيتأخر، فإذا عاد لا يعاقبه. وكان لأنس أخا صغيرا عنده طائر صغير اسمه (نغر) يلعب به، فمات الطائر، وحزن عليه الطفل، فذهب إليه النبي (ص) بنفسه يواسيه ويمازحه
• حق الطفل في تعلم أصول دينه:
في السيرة أن النبي كان يعلم الأطفال معاني التأمل والمراقبة والنظر والتوكل والثقة بالله والاعتماد عليه والإيمان به، يقول ابن عباس: كنت خلف النبي (ص) يوما، فقال:” يا غلام إني أعلمك كلمات: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله”
• حق الطفل في التربية والتأديب والتعليم والتثقيف وتنمية المهارات:
شاء الله أن يبعث محمدا ميسرا ومعلما، قال النبي:” إن الله لم يبعثني معنتا ولا متعنتا، ولكن بعثني معلما ميسرا” ثم أوجب الإسلام علي المسلمين بمختلف أعمارهم التعلم، قال النبي:” طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة”. وأوجب على الوالدين تعليم أولادهم وتربيتهم وتدريبهم. قال النبي:” ما نحل والد ولدا من نحل أفضل من أدب حسن”.كما أوجب تعليمهم المهارات، قال النبي (ص): “علموا أولادكم الرماية والسباحة وركوب الخيل”
• حق الطفل في الرعاية الصحية والاجتماعية:
أوجب الإسلام على المسلمين رعاية أبناءهم صحيا، وكان النبي (ص) يعوذ الحسن والحسين، ويقول:” اللهم رب الناس، اذهب البأس، اشفه وأنت الشافي، لا شفاء إلا شفاؤك، شفاء لا يغادر سقما”
كما أوجب رعايتهم اجتماعيا ولاسيما منهم من ينتمون إلى أسر فقيرة تعجز عن الإنفاق عليهم، قال النبي (ص): ” أبغوني ضعفاءكم فإنما ترزقون وتنصرون بضعفائكم” وكذلك الأيتام، قال النبي (ص):” أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا، وأشار بإصبعه السبابة والوسطى”.
• حق الطفل في النفقة والميراث:
أوجب الإسلام على المسلمين النفقة على أولادهم في مدة حضانتهم، قال النبي:  “أفضل دينار ينفقه الرجل دينار ينفقه على عياله، ودينار ينفقه على دابته في سبيل الله، ودينار ينفقه على أصحابه في سبيل الله” وقال (ص): ” اليد العليا خير من اليد السفلى، وابدأ بمن تعول” أما في موضوعة الإرث فقد قال النبي (ص):” إذا استهل المولود ورث”

وأوجب الإسلام للأطفال كل الحقوق الإنسانية السوية التي تدعو المنظمات الدولية لبعض يسير منها اليوم، وذلك ليس بغريب، فالغرابة كل الغرابة في كيفية تطبيق وتعامل المسلمين مع هذه المباديء العظيمة، والغرابة تتمثل بعدم اهتمام المنظمات الدولية بهذه التشريعات العظيمة والأخذ بها بل ومخالفتها في بعض الأحيان.
المهم أن الأطفال لم يواجهوا في المجتمع الإسلامي الأول تحديات حقيقية أكثر مما كان يواجهه الراشدون أنفسهم، بل إن العقيدة ضمنت لهم منظومة حريات لا يمكن أن تتواجد في أي نظام آخر في الكون لا للراشدين ولا للأطفال.

 

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.