www.omferas.com
شبكة فرسان الثقافة

نكذب لكي نتجمّل – فهمي هويدي

0

لم أصدق ما قرأته ذات صباح عن صدور تعليمات بتعديل نسبة النجاح بين طلاب الثانوية العامة، رغم أن الخبر نشرته «الأهرام» على صفحتها الأولى (عدد 15 يوليو الجاري) بصورة بدت مؤكدة. إذ تحدّث عن أن «تعليمات مشددة قد صدرت في اللحظات الأخيرة بإدخال تعديلات جوهرية في نسب النجاح الخاصة بالمرحلة الأولى، بعد أن تبين أنها حققت أدنى معدلاتها على مدى السنوات الأخيرة».

صحيفة الرؤيه الكويتيه الأربعاء 7 شعبان 1430 – 29 يوليو 2009

نكذب لكي نتجمّل – فهمي هويدي

http://fahmyhoweidy.blogspot.com/2009/07/blog-post_29.html

 

لم أصدق ما قرأته ذات صباح عن صدور تعليمات بتعديل نسبة النجاح بين طلاب الثانوية العامة، رغم أن الخبر نشرته «الأهرام» على صفحتها الأولى (عدد 15 يوليو الجاري) بصورة بدت مؤكدة. إذ تحدّث عن أن «تعليمات مشددة قد صدرت في اللحظات الأخيرة بإدخال تعديلات جوهرية في نسب النجاح الخاصة بالمرحلة الأولى، بعد أن تبين أنها حققت أدنى معدلاتها على مدى السنوات الأخيرة».

ولأن الخبر مهم وغريب في دلالته، فقد توقعت تعقيبا عليه من أي مسؤول في وزارة التربية والتعليم. وتمنيت أن يجيء التعقيب بالنفي، ذلك أن التعديلات الجوهرية في نسب النجاح ليس لها إلا تفسير واحد، هو إعادة النظر في نسب الراسبين. «والتسامح» معهم على نحو يُدخلهم في زمرة الناجحين. وهو ما ينفي أمورا عدة، منها أن هؤلاء سيُمنحون ما لا يستحقون. وسيوهمهم ذلك بأنهم ناجحون، بينما هم راسبون، ثم إن من شأن ذلك أن يدفع إلى التعليم العالي بأعداد من الطلاب غير مؤهلين لهذه المرحلة، الأمر الذي ينتهي بتخريج أجيال لم تتعلم شيئا ولا تجيد شيئا، تضاف إلى طوابير العاطلين الذين أصبحوا يملأون الأرصفة في بر مصر.

 

لم يحدث شيء في ذلك، بل مر الخبر وكأن التدخل في نتائج امتحانات الثانوية العامة أمر عادي. شأنه في ذلك شأن التدخل في نتائج الانتخابات النيابية والبلدية، والتلاعب في المسابقات والمناقصات، إلى غير ذلك من الشرور والرذائل التي لم تعد محل استغراب في زماننا. أستثني من ذلك تعليقا واحدا على الخبر العجيب كتبه د.طارق الغزالي حرب أثبت أن بيننا من لايزال يحتفظ بتوازنه، ولايزال قادرا على الدهشة.

 

بعد أيام قليلة من نشر الخبر تلقيت رسالة من د.صلاح عز الأستاذ بهندسة القاهرة أكملت الصورة، فالرجل يقوم بتدريس مادة «الفلزات الفيزيائية» لطلاب السنة الثالثة، فيضع المنهج ويحاضر ويعد الامتحان ويصحح الأوراق ويقدم النتيجة، التي وصلت نسبة النجاح فيها هذا العام إلى 60٪، ولكن الذي حدث أن عميد الكلية دعا «لجنة الممتحنين» وقرر رفع نسبة النجاح إلى 80٪، لم يحضر د.عز الاجتماع بسبب ظرف عائلي طارئ، وحين فوجئ بما حدث، واستفسر من العميد، قيل له إن إعلان النتائج لا يحتمل انتظار الظروف الخاصة. الأدهى من ذلك والأمرّ أنه أُبلغ بأن النتيجة كانت ستُرفع سواء حضر أم لم يحضر، لأنها أقل من نسب النجاح المقررة في المواد الأخرى.

 

قال د.عز إن العميد وأعضاء لجنة الممتحنين لم يخالفوا لائحة تنفيذ قانون الجامعات، التي أهدرت حق أستاذ المادة في تعديل نتيجة مادته. لكنهم بما أقدموا عليه أساءوا إلى الجامعة وإلى الأستاذ، وإلى مستقبل الطلاب الذين اعتبروا ناجحين وهم يستحقون الرسوب، ذلك أنه من الخطير للغاية أن يتحوّل التدخل غير المستحق في النتائج إلى «عُرف»، الأمر الذي يُعد فضيحة في التقاليد الجامعية. ثم إن هذه الخطوة تسيء إلى مركز الأستاذ وسمعته بين الطلاب، الذين عرفوا أنه ليس صاحب قرار في مادته،

وتساءل في هذا الصدد قائلا: من سيأخذ المادة على محمل الجد بعد ذلك؟ وكيف يتفانى الأستاذ في تدريس مادته وهو يشعر بأن الجهد الذي يبذله والامتحانات التي يضعها غير ذات قيمة، لأن «لجنة الممتحنين» هي التي ستقرر النتيجة رغما عنه؟ ولمصلحة من تُزوَّر النتيجة وتُرفع من 60 إلى 80٪؟ ولماذا نعمد إلى خداع أنفسنا وإخفاء حقيقة أوضاعنا التعليمية؟ وإذا كان ذلك يحسِّن صورة الكلية لدى مراجع السلطة، فهل يحقق ذلك مصلحة المجتمع أم لا؟

 

إن رفع نسبة النجاح في الثانوية العامة فضيحة لا ريب، والتدخّل لرفع تلك النسبة في الجامعات فضيحة أخرى، أما أم الفضائح فتتمثل في أننا نكذب ونخدع أنفسنا في العديد من المجالات لكي نتجمّل، وهي خلاصة تسوغ لنا أن نقول إن أحدا من هؤلاء لم يأخذ المسألة الأولى أو الثانية على محمل الجد،

 

الأمر الذي يسلط الضوء على أحد أهم وأخطر مشكلات مصر الراهنة، التي تتمثل في أن أغلب المسؤولين لم يعودوا جادين في أدائهم مهامهم، حيث صاروا يهتمون بالصورة وليس بالحقيقة.

ولأن الفوز برضا المراجع العليا هو الأهم. ولأن أحدا لا يراقب أو يحاسب، فقد تركز الاهتمام على عملية التجمّل الذي لم يعد يتورّع عن الغش والتدليس.

…………………

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.