www.omferas.com
شبكة فرسان الثقافة

جهل المثقفين/الدكتور عادل عامر

0

جهل المثقفين

لم يكن المسلمين مغلقين فكرهم.حوا عقولهم ومجتمعاتهم

لثمار الحضارات الإنسانية وواجهوها مواجهة واعية من خلال رؤية عقدية واضحة

حافظت علي شخصيتهم ورصانة موقفه وتوازن حركتهم  لم يعد الإسلام في العصر الحديث

 

هو الموجه ولم تعد قاعدته الحضارية هي القاعدة التي تنطلق منها المسلمون لمواجهة الحياة الحضارية الجديدة التي نتجت عن احتكاكهم بالعالم الغربي وحضارته الحديثة
لقد كانت الحاجة ماسة يؤمئذا إلي عقلية واعية ومنطق جديد يفهم القران الكريم والسنة النبوية وبغوص في معانيها  ويستخلص منها النظر العقلي لمواجهه الخطر الداهم وإنقاذ المسلمين من البلية الفكرية والشكوك المطروحة والشبهات الكثيرة لاسيما إنها بدأت تجد أعوانا وعقولا ومسارب في حياة المسلمين  وكانت صرخات الزهاد الأوائل ثورات إسلامية عارمة علي الانحراف والزيغ والاستبداد والطغيان وكانوا في ذلك يمثلون قوة الإسلام وعزة المؤمن الذي لا يخشى في الله لأمة لائم
ولو كانت حقائق القران الكريم حاضرة في عقول المسلمين وسننه الكونية واضحة أمام أبصارهم استطاعوا منذ زمن بعيد أن يدركوا الخلل ويتعمقوا في الأسباب الكامنة وراء حركة التاريخ كما اخبرهم بها القران الكريم لما انهزموا أمام الحضارة الغربية كل هذه الهزيمة ولما تركوا دينهم وقرانهم وكأنهم لا صلة لهم بالإسلام
إن من أهم أسباب جهل المثقفين هي المناهج الباهتة الجامدة القديمة التي كانت تسيطر علي ساحة الثقافة الإسلامية قبل عصر الاستعمار وسيطرة الغرب  تماما علي مصادر ومظاهر ثقافتنا بعد عصر الاستعمار قد أنتجت امة من المتعلمين والمثقفين المحدثين وعزلتهم تماما عن هويتها العربية والإسلامية عزلا كاملا فلم يعرفوا شيئا ذا قيمة تفيد ومجمعاتهم فآملات عقولهم وكتابتهم بالانحرافات والمفاهيم الخاطئة ومظاهر الجهل المطبق التي قضت علي وحدة الأمة الفكرية وحرفت مسارها الحضاري التاريخي وأخرجتها من أصالتها وشخصيتها المستقلة ووضعت أمامها حلولا منقولة جاهزة من أوضاع الأمم الغربية دون ادني مراعاة لخصائصنا الثقافية والحضارية فزعزعت حياتها وقادتها إلي الاضطرابات والبلية والتمزق وكانت نتيجتها الحضارية ضياع قرن كامل في حياة امتنا دون إن تضع قدمها علي الخط الصحيح في التطور والتغير والبناء ومن يدري فعلعة سيضيع قرن أخر قبل أن نعود إلي رشدنا
من هنا نرى فجوة كبيرة تكبر يوما بعد يوم لتظهر في داخلهافكرهم.لجاهلين التي نتجت بسبب صمت المثقفين و انشغالهم بانتقاد بعضهم في الندوات و الجلسات الثقافية التي لايحظرها سواهم …غافلين ومتناسين أنهم ينتمون لمجتمع لم يعد يفهم لغتهم و فكرهم . وهكذا أخذ أنصاف المثقفين و الموهوبين أماكن مهمة تشكل وجه المستقبل القادم بثقافتهم الناقصة المتخبطة ليتنج لنا مثقفون في الجهل يمجدونه ويعظمونه يكتبون ما لايفهمون و يتحدثون في ما لا يعلمون..وفي المقابل سيظل المثقف يتهم المجتمع بالجهل دون تقديم أي حلول أو اجتهاد يخدم المجتمع ليصبح المثقف الحقيقي جاهلا في كيفية التواصل في المجتمع و التأثير فيه. فإذا اجتاحتِ الفَوضى “المنهج” المعتمد في شرْح الدِّين وتفسير القرآن الكريم، بأن يستنبط كلُّ واحد مِن هؤلاء ما اشتهاه هواه، وأشار به عليه عقلُه، ضاع القرآن أولاً، ثم يضيع الدِّين ثانيًا ونهائيًّا، وهذا هو الهدفُ المنشود من طرَف أعداء الدِّين والحقِّ، والرحمة والعدْل والسعادة، ولكن هيهات! فإنَّ الله تعالى قد قيَّض لهذا الدين مَن يذود عنه إلى أن يرِث الأرض ومَن عليها، ويحذر مِن العقم الذهني والإعاقة الفِكرية التي تجتاح هذه الفِئةَ مِن مؤلِّهي العقل.
إن الفراغ الفكري الذي حدث نتيجة لغياب المذهبية الإسلامية الواضحة وسيطرة فكر الجمود التواكل والخرافة على الأمة، وتوجيه الثقافة المعاصرة من قبل الاستعمارية كان مأساة تاريخية كبرى في العالم الإسلامي، انتهت إلى عزل أجيالنا المثقفة عن الثقافة الإسلامية الأصلية عزلاً، كاد أن يكون كاملاً، من الثابت أن الإسلام لم يكن يصادف نجاحا إلا عندما كان يهدف إلى الغزو. حين يغيب الممتاز يصبح للجيد قيمة، وحين يغيب الجيد يصبح للضعيف قيمة. ولعلنا نعايش عصر انقلاب الموازين، وضياع المكانات والغايات.. فكل شيء يصبح جائزاً، ولا يُعرف فرق بين غث وسمين، وصالح وطالح.. إذا انصرف الراعي عن قطيعه لا يلام الذئب على مكره! كذلك أقول: إذا حل التفهاء محل العظماء، لا يُلام التفهاء على صنعهم! فتلك بضاعتهم.. وذلك مكان «حر»، حيز من فراغ لم يشغله أحد قبلهم.. إنهم أحرار، يفعلون ما يريدون، ويقولون ما يشاءون! ولكن، من الجاني؟ أقررها هنا بلوعة وأسى أن الجاني هي أمة المليارين.. ومن المجحف حقا فى حق هذه الأمة أن ينسحب أصحاب الكفاءات ويختبئوا وراء الحجب ليخلفهم أصحاب التفاهات وتدوّن أسماؤهم فى الكتب! وسندرك خطورة الأمر حين ينمى إلى علمنا
إن الأمة التي تحمل مشعل حضارتها، وتضيء شعلة الوحدة الإنسانية، وتجعلها مزية خاصة بها هي أمة حضارية وثقافية. الأمة التي تجعل من ذاتها رافداً لنهر الحضارة الإنسانية هي أمة تتميز بالثقافة والوعي. الأمة التي تدرك الدور الذي تقوم به في نطاق الإنسانية هي أمة حضارية. الأمة التي تعلم أنها ناقلة أو حاملة لمثال إنساني واحد، عبر خصوصيتها، الواعي، يجعل من علمه ثقافة تستند إليها الحضارة وتدرك أن عظمتها تكمن في تحقيق دورها الحضاري والثقافي ونقله، كتراث عام، إلى أمة أو أمم أخرى، هي أمة حضارية. الأمة التي تدرك أن الاحتفاظ بالمشعل الحضاري والثقافي لذاتها تصرّف يؤدي إلى انطفاء المشعل المضيء وسيادة الظلام هي أمة حضارية. الأمة التي تضيف إلى العالم مشعلها إضاءات المشاعل السابقة، أو تضيف ألقاً جديداً إلى هذا المشعل هي أمة حضارية. إنها أمة تسعى إلى تحقيق ثقافتها الفردية الخاصة من خلال مشاعل أو روافد الثقافة الإنسانية الواحدة التي تتلألأ بالمشاعل المضيئة، وتحمل إرثاً إنسانياً واحداً. وإن ما ينطبق على الأمة ينطبق أيضاً على الفرد، وذلك لأن الفرد يستقي من مناهل ومصادر وأصول ثقافة أمته التي تحمل مشعل الحضارة أو الحضارات الإنسانية الغابرة.
 
 
*الدكتور عادل عامر
*
*دكتوراه في القانون وخبير في القانون العام
*
*ورئيس مركز المصريين للدراسات السياسية والقانونية والاقتصادية والاجتماعية
وعضو بالمعهد العربي الاوربي للدراسات السياسية والاستراتيجية بجامعة الدول
العربية

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.