www.omferas.com
شبكة فرسان الثقافة

ضيف ليلة الميلاد…بقلم آرا سوفاليان

0

ضيف ليلة الميلاد…بقلم آرا  سوفاليان

في زمان ما وفي كنيسة ما وعلى أرض ما وفي وطن ما فيه بلد ما حدثت أو لم تحدث هذه القصة الغريبة…

فارسلها من ارسلها أو ارسلتها وباستخدام بريد وهمي يحوي اعداد حسابية بلا اسم ولا كنية الى بريدي…

أرسلها أو أرسلتها أفكار مفككة وعبارات مهلهلة وبلغة عربية ضعيفة

وطلب مني أو طلبت مني إعادة صياغتها وترتيبها والبحث عن الشواهد والمؤيدات في القرآن الكريم والحديث الشريف

وقال أو قالت لي في رسالته أو رسالتها أنه كان يقرأ لي أو انها كانت  تقرأ لي منذ البدايات في سيريانيوز وأنه واثق أو أنها واثقة بأنني سأقوم بهذه المهمة خيرقيام…مستحقاً الشكر سلفاً.

 

قفز مستتراً بالعتم وسواد الليل الى باحة الكنيسة من مكان ما من خلف السور والساعة تقارب الثانية عشر ومشى على الأرض المبللة بالمطر واتجه الى تمثال السيدة العذراء ووضع خلفة حقيبة رياضية تحوي ما يكفي لتدمير الكنيسة وهدمها على رؤوس من فيها…ترك الحقيبة في مكانها وتحسس بيده اليمنى جهاز التفجير عن بعد الذي يخبئه تحت المعطف وهم بالسير فسمع صوت باب الكنيسة الداخلي يفتح وأطلت فتاة برأسها وسألت بصوت منخفض.

ـ من هناك؟

ـ لا أحد أنا عامل النظافة لقد مررت للمعاينة وها أنا في طريقي للعودة الى بيتي لأحضر في الغد الباكر.

ـ تعال لا تذهب

ـ انا في عجلة من أمري

ـ تعال أدخل من المطر… فهذه الليلة ليلة مباركة… وهي ليلة الميلاد…ميلاد سيدنا يسوع المسيح…سينتهي القداس بعد قليل…وسننزل الى قاعة الاحتفالات بعد القداس…انا أدعوك لتناول طعام الميلاد معنا…عربون وفاء لجهودك التي نقدرها…تعال تفضل لا تخجل…اجلس هنا هذا المقعد فارغ…صلي بالطريقة التي تريدها فهنا بيت الله وهو للجميع.

وجلس الشاب يسمع ويرى واستعرض في ذهنه أشياء قرأها عرضاً وكاد أن ينساها لأن من يتولى تعليمه وارشاده لم يتطرق اليها ولا مرة واحدة.

قال تعالى: ” لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ

تذكر قول الله تعالى ( وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً) (النساء:93)

فارتعد وسأل نفسه إن لم يكن هؤلاء مؤمنون فمن يكونون إذاً وقد توجهوا الى الله تعالى في ادعيتهم وصلواتهم ولم يقولوا إلاّ القول الكريم…أهؤلاء كفار كما أفتى لي من أفتى لي وودعني وانا أحمل بيدي ما أحمل وأزمعت على الاتيان بما سآتي به!…كيف يكونوا كفاراً وقد عرفوا الله قبلنا وشاهدوا خاتم النبوة على كتف نبينا وأوصوا عمه بالسهر عليه لكي لا يقتله اليهود…من ينسى الراهب بحيرة صاحب البشرى العظيمة، وورقة ابن نوفل عم خديجة أم المؤمنين ومن ينسى سلمان الفارسي ومحبته للرسول وغيرته ونصرته للمسلمين في الخندق والمشورة التي حقنت دماء المسلمين، من ينسى نجاشي الحبشة الذي أحسن وفادة المستضعفين المهددين بالموت وحماهم ووقف يخط بعصاه على الرمال قائلاً والله ليس بيننا وبينكم إلا هذا الخط الرفيع.

وهل الخط الرفيع يستوجب وضع تلك الحقيبة حيث وضعت لتقلب هذه الكنيسة فوق رؤوس ساكنيها وانا لم أسمع إلاّ اسم الله يتردد بين جنباتها!

وتذكر وصية الخليفة أبي بكر الصديق رضي الله عنه أول الخلفاء الراشدين الى القائد الصحابي أسامة بن زيد قائد الجيش عندما أوصاه ومن معه بالوصايا الآتية:

“ياأيها الناس، قفوا أوصيكم بوصايا ، فاحفظوها عني : – لا تخونوا- ولا تغلوا – ولا تغدروا – ولا تمثلوا- ولا تقتلوا صغيرا – ولا شيخا كبيرا- ولا امرأة- ولا تعقروا نخلا- ولا تحرقوه- ولا تقطعوا شجرة مثمرة- ولا تذبحوا شاة- ولا بقرة الا لمأكلة- وسوف تمرون بأقوام قد فرغوا أنفسهم في الصوامع ، فدعوهم وما فرغوا أنفسهم له ” فارتعدت فرائصه من جديد.

وتذكر قول الله تعالى ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً) (الأحزاب:71)

فأطرق مفكراً وقال: لا هؤلاء ليسوا كفاراً  هؤلاء هم أهل ذمة المسلمين وكانوا هنا قبلنا..وردد الحديث الشريف (من آذى ذمياً فقد آذاني…ومن أخذ عليهم عقال بعير كنت خصمه يوم القيامة) وارتعدت فرائصه من جديد لرهبة الموقف فلقد رأى نفسه بين يدي الله في يوم الحشر ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقف منه موقف المخاصمة، فاغرورقت عيناه بالدمع.

وتذكر الآية الكريمة ” مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً “

وسأل روحه السؤال الذي يحتاج صاحبه لجواب…سأل روحه…اليس المقصود في الآية من قتل نفساً واحدة؟ وهذه الكنيسة لا تحوي نفس واحدة بل المئات من الأنفس…إن قتل النفس الواحدة يعادل بحسب كتاب الله قتل الناس جميعاً فما حكم محكم التنزيل في قتل مئات الناس من المؤمنين الموجودين في هذه الكنيسة، فأي أنفسٍ قتلوا وأي فساد في الأرض اقترفوا لينالوا على يدي ما أزمعت أن ينالوه؟

واقتربت الفتاة من الضيف وقالت له…لقد ذهبت في صلاتك بعيداً جداً…أما صلاتنا فلقد انتهت…تفضل الى مائدتنا فهذه المائدة مائدة الميلاد وهي مباركة…تفضل اتبعني…تعال اجلس هنا…لا تخجل فلقد كان المحتفى به أفقر منك ومني وقد ولد في مزود يحوي طعام البهائم وطعام البهائم هو العلف…لقد تمت مباركة المائدة قبل وصولنا…قل لي هل تفضل شيئاً معيناً؟  أم أنك تفضل أن أختار لك بحسب معرفتي…لا تتردد…كل الطعام هنا حلال ولا يوجد على مائدتنا لحم خنزير…سأختار لك بنفسي.

وسمّى الشاب وحمد الله على نعمه وبدأ في تناول طعامه…وكانت الفتاة مع أصحابها فظنّ أنها تحدثهم عنه وأنها ستعود اليه وهي تصحبهم ولكنها لم تفعل بل عادت بعد قليل لوحدها وناولته طبق من الفاكهة والحلوى وأخذت من يده الطبق الفارغ…نظر الى عينيها وقال شكراً يا…فقالت له: ماريا  اسمي ماريا وأنا رئيسة المرشدات في فرقة المراسم الكشفية العائدة لهذه الكنيسة…فتذكر الأسم وتذكر ان هذا الاسم يعني له الكثير…قال لها اشكرك وعيد ميلاد سعيد أنا مضطر للذهاب فلقد تأخرت على زوجتي والاولاد…قالت: انتظرني دقيقتين لا غير…وانتظر…وعادت بصحبة شاب يحمل صرة كبيرة من الورق فيها شيء من الطعام والحلوى…وناولته الصرة قائلة هذه لزوجتك وللأولاد أحملها بعناية فهذه هدية الميلاد…وهمست في إذن الشاب الذي كان يحمل الصرة فأخرج من جيبه شيئاً وضعه في جيب الضيف…فرفض الضيف…فبادره الشاب قائلاً نحن مدينين لك بأكثر من هذا بكثير اشتري بهذا شيء للأطفال وقل لهم ان المسيح يهديهم السلام…اذهب برعاية الله.

وذهب متجهاً الى تمثال السيدة العذراء ولم يتبعه أحد ولم يراه أحد…وكان يردد الويل لي إن استجبت لك ولما تريد…الويل لي من عقاب الله…كنت في كل عمري أخشى الله …وابذل نفسي وما أملك في سبيل طاعته ونيل مغفرته …فماذا فعلت بي والى أي درك أسفل ستذهب بي فتواك؟

وتذكر من جديد الآية الكريمة ” مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً “

وردد في قرارة نفسه…لبيك يا الله لبيك يا أرحم الراحمين…سأحييها سأحييها…سأحيي الناس جميعاً…سأقف في جهتك يا رسول الله ولن أقف في جهة مخاصميك…اعفوا عني يا الله وارحمني.

وحمل تلك الحقيبة ووزع محتواها على كل الحاويات التي صادفها في طريقه وعندما اقترب من داره سحق جهاز التفجير عن بعد تحت قدميه…ودخل بيته وطلب من زوجته ايقاظ الأطفال واحضارهم…فجاؤوا يفركون أعينهم الصغيرة وجلسوا وجلس معهم يمتع ناظريه بهم ويردد في ضميره  الآية الكريمة ” مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً “

ويقول مخاطباً أولاده …أحييتكم يا فلذة كبدي أحييتكم يا فلذة كبدي وأحييت الناس جميعاً…كلو يا أحبتي فاليوم هو عيد ميلاد السيد المسيح وهذه هداياه لكم…كان يحب الأطفال ويخاطب الحواريين قائلاً دعوا الأطفال يأتون إلي ولا تمنعوهم لأن لهم ملكوت السماوات…ولا تمنعوهم لأن للذي مثلهم ملكوت السماوات ووالدكم اليوم اختار أن يكون مثلهم…وفي اليوم التالي وجدت ماريا في صندوق بريد الكنيسة رسالة معنونة بإسم إلى ماريا رئيسة المرشدات في فرقة المراسم الكشفية وفيها شرح دقيق لما حدث في ليلة الميلاد ومذيلة بعبارة شكر تتضمن ما يلي…اشكرك أيتها الأخت ماريا لأنك وببعض الدقائق نجحتِ في فتح عيناي على نور الحقيقة وهديها بعد أن استطاع غيرك وعلى مدى سنين طويلة إغلاقهما حتى كاد يفقدني نعمة الابصار بهما، واعيد طياً ما لا أستحقه لأنه لم يعط لي، لتصرفوه بدوركم على ما ينفع.

الأفكار لإنسان مجهول أو انسانة مجهولة أرسل أو أرسلت هذه الأفكار الى بريدي الالكتروني وطلب أو طلبت مني إضافة لمسة آرا  سوفاليان ففعلت…أرجو أن تبقى أو يبقى وأن تبقوا جميعاً بألف خير …أحبكم بالمسيح جميعاً وأحبك سوريا.

آرا  سوفاليان

كاتب في الشأن الانساني وباحث في الشأن الأرمني

دمشق 20  10  2012

arasouvalian@gmail.com

 

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.